تبدو مباراة ألمانيا وإيطاليا أبعد من أيّ مباراة أخرى في كأس أوروبا إذا ما كنا نتحدث عن الحسابات الخاصة. بطبيعة الحال، لهذه المباراة خصوصية كبيرة بالنسبة إلى المنتخبين، لكنها باتت أبعد من ذلك في الآونة الأخيرة، حيث هناك أكثر من مواجهة غير مباشرة، منها القديم، ومنها الذي أفرزه أداء المنتخبين في "اليورو" الحالي.إذا سألت أيّاً من المتابعين لكأس أوروبا عن اسم أفضل مدرب في البطولة، سيخرج ليعطيك اسمين لا واحداً: الألماني يواكيم لوف، والإيطالي أنطونيو كونتي.
ببساطة، هذان المدربان هما اللذان أوصلا ألمانيا وإيطاليا إلى هذه المرحلة المتقدمة في البطولة، إذ لا يخفى أن كلّاً من "المانشافت" و"الآزوري" لا يملك نجماً بحجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أو البرتغالي كريستيانو رونالدو، لكن لوف وكونتي عرفا كيفية تقديم منتخبٍ قوي يلعب بروح الجماعة دونها الفردية.
لوف وكونتي هما صاحبا الفضل في ما وصل إليه المنتخبان

"يوغي" نفسه كان قد بثّ هذه الروح في مجموعته، في خلال كأس العالم الماضية في البرازيل، فخرج متوّجاً باللقب، وها هو في كأس أوروبا الحالية يؤكد مرة جديدة أن كرة القدم في العصر الحديث تعتمد على الجماعة، لا النجم الأوحد، فهدّاف "الماكينات" توماس مولر صاحب الأهداف العشرة في 13 مباراة مونديالية، لم يسجّل حتى الآن في "اليورو"، لكن رغم ذلك تقف ألمانيا في هذا الدور المتقدّم.
وكونتي ينافس لوف على هذا الصعيد، فهو تسلّم منتخباً لا يملك أمثال روبرتو باجيو أو اليساندرو دل بييرو أو فرانشيسكو توتي، ولا حتى أندريا بيرلو الذي أبعده بنفسه لانتقاله إلى الولايات المتحدة. كل هذا يعني أن كونتي حمل كرة نار وسار بها إلى فرنسا، حيث لم تقل الصحافة الإيطالية أي كلمة مرشحة لمنتخبها للفوز باللقب. لكن ها هي إيطاليا مرشحة بقوة أيضاً، والسبب قبل أي شيء آخر هو كونتي، فهل رأيتم الطريقة التي تدافع بها إيطاليا؟
الأكيد أنه ليس ذاك الأسلوب الدفاعي المملّ الذي اشتهر به الطليان لفترة طويلة، بل هو أسلوب محدّث لا يشبه "الكاتيناتشو" البشع في شيء. يتحرك اللاعبون الإيطاليون ككتلة واحدة، ويميلون كلهم إلى الجهة القوية، أي حيث توجد حركة اللعب، ما يمكّنهم من استعادة الكرة سريعاً، ثم شنّ تلك الهجمات المرتدة المدروسة، التي يعلم الألمان مدى قساوة لعنتها. أتذكرون هدف ماريو بالوتيللي في مرمى مانويل نوير في كأس أوروبا 2012؟
وما يبدو مثيراً للاهتمام، أن المواجهة ستكون بين منتخبين متماسكين دفاعياً، فالألمان حتى أفضل من الطليان على صعيد الأرقام الدفاعية في "اليورو"، إذ لم يتلقّ مرماهم أي هدف حتى الآن في أربع مباريات. أضف أن الثنائي جيروم بواتنغ وماتس هاملس عاد في الوقت المناسب إلى الجاهزية التامة إثر معاناتهما من الإصابة، وهما مثل ليوناردو بونوتشي وأندريا بارزاغلي وجورجيو كييلليني، على صعيد المساهمة الهجومية وهزّ الشباك بأهدافٍ ثمينة جداً.
لكن خلف كل هذه الأسماء، هناك رجلان يحميان العرين ويلعبان دور القائدين بامتياز، لا بل إنهما في قلب الصراع بين عشاق الكرة في العالم حول هوية الحارس الأفضل، ما يجعل مباراة الليلة أيضاً مواجهة خاصة بينهما، وخصوصاً أنهما يحملان الشارة على زنديهما، ما يعني أن ذاك الذي سيقود منتخبه إلى النصر سيسجل نقطة على الآخر.
الواقع أنه ليس هناك أي حارسين في العالم يؤثران في فريقيهما ومنتخبيهما بالشكل الذي يؤثر فيه نوير وبوفون في بايرن ميونيخ ويوفنتوس وألمانيا وإيطاليا على التوالي. هما الرقم 1 في البلدين المذكورين، وهما حملا فريقيهما إلى لقب البطولة المحلية مرة جديدة، وهما إلى جانب مدربيهما قبل أي لاعبٍ آخر سيكونان في قلب قرار ترجيح كفة هذه الكتيبة على الأخرى.
في 8 مباريات ضمن كأس العالم وكأس أوروبا، فازت إيطاليا على ألمانيا أربع مرات، وتعادلت في مثلها، ولم يفز الألمان أي مرة. هي اللعنة الإيطالية التي أصابتهم في المباراة النهائية لمونديال 1982، ثم حلّت بهم على أرضهم في الوقت الإضافي في نصف نهائي مونديال 2006، فأقصتهم من البطولة. لكن لنكن واقعيين، التاريخ يبقى تاريخاً والحسابات دائماً مفتوحة بين المنتخبات الكبيرة. إيطاليا ستحضر معها الليلة لعنتها إلى بوردو، وألمانيا ستحضر جردتها لتصفية الحساب القديم، ونحن سنستمتع بملحمة كروية جديدة بغضّ النظر عن اسم الفائز في نهايتها.