شتان ما بين ما شهده ملعب "كينغ باور ستاديوم" في ليستر، وما عرفه ملعب "أودي بارك" في إنغولشتات بعد ظهر السبت. بطلٌ توّج نفسه اداءً رائعاً واحتفالاً جنونياً، وآخر لعب بلا نفس وبلا روح جماعية واصطنع فرحةً لمجرد ان يفرح.هناك في ليستر ومنذ المشهد الاول الذي نقلته شاشات التلفزة، اقشعرت الابدان بصوت الجمهور المحلي الصادح بعبارة "نحن الابطال". عبارةٌ اختلطت بالضحك الجنوني بالنسبة الى البعض وبالدموع بالنسبة الى البعض الآخر. دموعٌ لم يكن بالامكان حبسها، ومشاعر غير طبيعية سرت في ابدان كل من تابع المدرب الايطالي كلاوديو رانييري يقف متأثراً الى جانب صديقه مغني الاوبرا الشهير اندريا بوتشيللي، الذي اتحف بصوته، وفاجأ عندما خلع سترته ليظهر بالقميص الازرق الخاص بالبطل المعجزة لانكلترا، وهو القصير النظر منذ الولادة والعاشق لكرة القدم التي افقدته بصره بالكامل في سن الثانية عشرة عندما تعرض لحادث خلال وقوفه في مركز حراسة المرمى.
انجاز ليستر فرض نفسه الحدث الرياضي الابرز حتى الآن في 2016

حتى الأمس القريب لم يكن احدٌ يعير الاهتمام الى ليستر، لكن اليوم نسأل كم من فريقٍ حاز شرف ان يحتفل معه اسطورة بحجم بوتشيللي بانجاز ما؟
انجاز ليستر لا شك في انه فرض نفسه الحدث الرياضي الابرز حتى الآن في 2016، اذ ان سحر فريق رانييري رمى بنفسه فوق انكلترا كلّها، وحوّل مدينة هادئة الى ارضٍ صاخبة، تأكل وتشرب من اهداف جايمي فاردي ومهارات رياض محرز، لدرجةٍ اصبحت فيها صورهم على اكياس رقاقات البطاطس لاحدى الشركات المنتجة لها في ليستر!
دعنا من المشهد الخرافي الذي يصعب تصديقه عندما رفع كابتن ليستر الجامايكي ويس مورغان الكأس الاغلى، ولنذهب الى مشهدٍ مناقضٍ في المانيا بدت فيه الفرحة مصطنعة ولا تمتّ الى الاحتفالات بالالقاب بأي صلة.
هناك في ملعب مدينة إنغولشتات فاز بايرن ميونيخ بنتيجة 2-1، ليحتفظ بلقبه للموسم الرابع على التوالي. لكن اي متابع لبايرن يعلم بأن ما قام به الفريق خلال وبعد المباراة لا يشبه ابداً ما فعله طوال الموسم الحالي وفي كلّ مرةٍ حسم فيها اللقب في المواسم الثلاثة الماضية.
وهنا الحديث في الشق الاول عن المستوى البائس الذي بدا عليه بايرن رغم فوزه بالمباراة حيث لعب كل فردٍ منه بعيداً من المقاربة الجماعية، فانفرد المهاجمون تباعاً رافضين التعاون في ما بينهم حيث فضّل كل واحدٍ منهم اخذ الامور على عاتقه بدلاً من التمرير الى زميل. هذا الوصف للدلالة على ان الفريق البافاري لم يكن في قمة تركيزه، اذ لم تختفِ ذيول خروجه الصاعق امام اتلتيكو مدريد الاسباني من نصف نهائي دوري ابطال اوروبا. ولولا تواضع مستوى إنغولشتات لربما فقد فرصة الحسم في هذا اللقاء.
وما تلا هذا المشهد كان غير اعتيادي بالنسبة الى فريقٍ فائزٍ بالدوري، اذ رغم ان توماس مولر حاول خلق اجواء احتفالية مع الجماهير الآتية من ميونيخ، فإن الاحتفال الذي نعرفه عن بايرن لم يكن حاضراً. وقد يأتي البعض ليقول بأن السبب هو الملل الذي اصاب البايرن جراء هيمنته على لقب "البوندسليغا"، لكن الاكيد ان غصة "التشامبيونز ليغ" لم تفارق هوليوود الكرة الالمانية، الذي على الرغم من انه لم يعرف موسماً سيئاً كونه بقي بطلاً في الدوري ويملك فرصة اضافة لقب كأس المانيا، فان عدم تحقيق المرجو باعادة لقب دوري الابطال الى خزائن النادي افسد كل شيء وجعل الفرحة بلا نكهة لدرجةٍ يمكن القول فيها ان الاوبرا التي صدحت في ليستر كان ليقابلها نشيد الحزن لو عبّر لاعبو بايرن فعلاً عمّا يختلج في نفوسهم.