كثيرة هي الخلاصات والاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من موقعة «كامب نو» أول من أمس بين برشلونة الإسباني وضيفه بايرن ميونيخ الألماني، في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال لكرة القدم، التي انتهت بفوزٍ كاتالوني كبير 3-0. في البداية، لا بد من القول إننا شاهدنا إحدى أجمل المباريات لناحية سرعة الأداء والندية والتشويق الذي لم يترك مجالاً لالتقاط الأنفاس.

ومن المقدمة إلى صلب الموضوع، حيث يتراءى في المشهد العام أولاً شخص واحد أدهش الأربعاء العيون. شخص خرج يوماً من مدينة روزاريو الأرجنتينية ليأسر على امتداد العالم القلوب. أول من أمس، وعلى مرأى العالم بأسره، أكد ليونيل ميسي أنه ـ على مستوى الكرة ـ كائن من كوكب آخر، أنه من خارج هذا الزمان. لا يمكن مطلق مشجع للكرة، حتى ممن لا يكنّون الإعجاب لـ»ليو» وفريقه، إلا أن يعترفوا بأن هذا «المخلوق الكروي» من العجائب التي قدمتها الكرة. وحدها لقطة مراوغته لجيروم بواتنغ وإسقاطه الكرة من فوق مانويل نوير تؤكد ذلك.
أثبت ميسي الأربعاء أنه «البرسا» كله، أو فلنقل على الأقل نصفه. قد يجد البعض في الأمر مبالغة. هنا لا انتقاص أبداً من قدرات لاعبي «البلاوغرانا»، ولا من خطط المدرب لويس إنريكه. لكن لنتخيل فقط برشلونة من دون ميسي، أو «ليو» بقميص الخصم البافاري؟ بالتأكيد، سيكون المشهد الختامي للمباراة مختلفاً تماماً. من غير ميسي في برشلونة يصعب أن تجد لاعباً يصوّب كرة ماكرة من خارج منطقة الجزاء تعانق الشباك تحت الضغط الشديد الذي واجهه فريقه بعد وصول المباراة إلى الدقيقة 77 من دون التسجيل، أو هدفه الثاني الخيالي (80) أو تمريرته الساحرة للبرازيلي نيمار في الهدف الثالث (94).

ميسي كان الفارق بين
فريقين كان يمكن ان يخرجا متعادلين لولا وجوده
ما يميز ميسي عن البقية، بخلاف سحره وموهبته، أنه قاتل وماكر، بالمفهوم الكروي. من المستحيل أن يهدر هذا اللاعب انفرادية كتلك التي أضاعها زميله الهداف الأوروغواياني لويس سواريز (11) أو فرصة نيمار على باب المرمى (15). هنا الفرق بين ميسي والبقية.
في الخلاصة، ميسي كان ملك أمسية الأربعاء، والفارق بين فريقين كان يمكن ان يخرجا متعادلين لولا وجوده.
ما يمكن قوله تالياً، أن نوير أثبت مرة جديدة أنه ليس أفضل حارس في العالم، بل من أفضل من أنجبتهم الكرة في تاريخها على مستوى حراسة المرمى. صحيح أنه تلقى ثلاثة أهداف - غير مسؤول عنها بتاتاً، بما فيها الهدف الأول الذي باغته من بين اكتظاظ المدافعين - لكنه قدّم ما يصعب أن يقدمه غيره. الأربعاء أكد نوير مرة جديدة أنه من الحراس العظماء، إذ لا يصدّق خروجه من منطقته مجدداً لإبعاد كرتين في موقعة كهذه في نصف نهائي دوري الأبطال وفي ملعب «كامب نو» تحت هدير 90 ألف متفرج، أو تصديه لانفراديتي سواريز والبرازيلي داني ألفيش، أو وقوفه في المكان المناسب لتسديدات ميسي. غير معقولة تلك الثقة والروح القيادية وقوة الشخصية التي يتمتع بها هذا الحارس.
في الخلاصة، نوير ظُلِم، ولم يكن يستحق مطلقاً هذه الغلة في مرماه.
ما يمكن قوله ختاماً أن الإسباني جوسيب غوارديولا قاد مباراة موفّقة حتى الدقيقة 77 في «كامب نو»، وما أدراك ما هو هذا الملعب، وخصوصاً أنه لا يمكن وصف حجم تأثير غياب النجوم الهولندي أريين روبن والفرنسي فرانك ريبيري والنمسوي دافيد ألابا تحديداً في الناحية الهجومية التي لم تكن فعّالة بافارياً على الإطلاق، وهي نقطة القوة التي افتقدها بايرن أمام برشلونة والتي كان يعتمد عليها للإمساك بزمام الأمور وتخفيف الضغط عن الدفاع الذي قدّم شاغلوه مرة جديد «هدايا» للخصوم، فضلاً عن إعادته المعنويات للاعبين بعد خسارتين متتاليتين أمام بوروسيا دورتموند في نصف نهائي كأس ألمانيا وباير ليفركوزن في الدوري. إلا أن «بيب» لم يكن موفّقاً على الإطلاق بإصراره على الهجوم (رغم افتقاد أدواته تحديداً على الجناحين) بعد الهدف الأول من خطأ فردي للإسباني خوان برنات بإصراره على المراوغة بدلاً من التشتيت، إذ كان الأجدى أن يلجأ إلى تكثيف الدفاع والحفاظ على الخسارة 0-1 التي تبقي آماله في مباراة الإياب على ملعبه، وخصوصاً أنه بدا واضحاً أن هدف ميسي ألهب حماسة فريقه لتسجيل المزيد في الدقائق المتبقية.
غوارديولا أخطأ، ولاعبوه ارتكبوا هفوات فردية كلّفت فريقهم الكثير الكثير. إجمالاً، يمكن القول إن برشلونة بات قاب قوسين أو أدنى من النهائي، إلا إذا صنعت مدينة ميونيخ في محطة الكاتالوني الأخيرة في الطريق نحو برلين، ما يمكن وصفها بـ»معجزة التاريخ».