كان متوقعاً أن يكون وداع إدارة بوروسيا دورتموند الألماني للمدرب يورغن كلوب، الذي قرر مغادرة الفريق في نهاية الموسم، على قدر العطاء والنجاح الذي حققه الأخير مع النادي، لكن هذا لا يمنع من أن الغصة كبيرة في مدينة الرور الصناعية لنبأ مغادرة كلوب، والأهم أن الخوف يبدو كبيراً هناك من انهيار تام، بدأ يلوح في الأفق، لكل المنظومة التي بناها هذا المدرب، إذ بناء على ما يتردد في الصحف وما نُسب إلى نجوم الفريق، يمكن اعتبار إعلان كلوب مغادرته في نهاية الموسم مقدّمة لأنباء أخرى صادمة سيتلقاها عشاق الفريق تباعاً وتنبئ بعودته إلى النقطة «الصفر».
إذ قبل أيام، لم يخف نجم الدفاع ماتس هاملس أنه يريد خوض تجربة جديدة في تصريحات مناقضة تماماً لما قاله قبل فترة بأنه متمسك بالبقاء مع دورتموند. وسريعاً، بدأت التكهنات بانتقاله إلى مانشستر يونايتد حيث يحكى كثيراً في إنكلترا عن صفقة مزدوجة للأخير يتعاقد بموجبها مع هاملس وزميله نجم الوسط إيلكاي غوندوغان الذي لم يوافق حتى الساعة على تمديد عقده.
أما رحيل النجم الأبرز في دورتموند، ماركو رويس، عن الفريق فلا يتعدى سوى مسألة وقت، وما تمديد عقده حتى 2019 إلا لتحسين شروط انتقاله بالنسبة له وللنادي بعدما كان البند الجزائي في عقده السابق يخوّل الحصول عليه بمبلغ 25 مليون يورو فقط، وهي قيمة متدنية مقارنة بنجوميته و«سعر السوق» إذا صح التعبير.
هنا، وبعيداً عن «الشيء الكبير» الذي قدّمه كلوب ونجومه لدورتموند، فإن كل الكلام «المعسول» الذي كان يقوله هؤلاء بتمسكهم بالفريق ذهب في لمحة أدراج الرياح بمجرد تراجع دورتموند وموسمه الكارثي وغيابه عن المشاركة الأوروبية في الموسم المقبل. ما هو أكيد أن هذا السبب الأبرز الذي يقف وراء قرار مغادرة كلوب، فضلاً، طبعاً، عن مغريات مادية يبدو واضحاً أنها قُدمت له.
قد يقول قائل هنا إن من حق كلوب البحث عن تجربة أخرى، وهذا ما ينطبق على نجوم الفريق، هذا صحيح، لكن بالنظر إلى ما ارتبط به هذا المدرب مع فريقه يصبح حتى «شكل» الخروج في ظل هذا الواقع المرير ذا أبعاد معبّرة، وخصوصاً أن إدارة دورتموند ظلّت متمسكة بكلوب مع وصول الفريق إلى الكارثة في منتصف الموسم باحتلاله المركز الأخير في «البوندسليغا»، حيث سرت وقتها شائعات بقرب إقالته، فضلاً عن أن دورتموند ظل محتفظاً بغوندوغان على سبيل المثال رغم إصابته القوية في ظهره وابتعاده لأكثر من عام عن الملاعب حيث كانت الشكوك كبيرة وقتها بمواصلته مسيرته.
والأهم من ذلك، أن مغادرة كلوب «كسرت ظهر» دورتموند، إذ إنها ستكون، لا شك، المحفّز الأول ليحسم أبرز نجوم الفريق قرارهم بالرحيل عنه فيما لو كانوا بعد في حيرة من أمرهم، أو حتى لو لم يكونوا في وارد المغادرة في الأصل.
النقطة الأساسية في موضوع رحيل كلوب، والتوقعات الكبيرة بلحاق أبرز نجومه به، هي أن المبادئ في هذه اللعبة باتت عملة نادرة بحيث أصبحت المصلحة فوق أي اعتبار، إذ إن نموذج الحارس الإيطالي جانلويجي بوفون، على سبيل المثال، الذي قرر البقاء مع يوفنتوس في 2006 رغم الشدة الكبيرة التي لحقت بالفريق بسقوطه إلى الدرجة الثانية، ورغم العروض الضخمة التي قُدمت للاعب، بات من الصعب العثور عليه في يومنا هذا.
مؤسف حقاً ما حلّ، ويُتوقَّع أن يحل، بدورتموند من أبنائه بعدما كان المشهد مختلفاً تماماً قبل فترة وجيزة عندما كان هؤلاء أنفسهم مضرباً للمثل، غير أن ما بات ثابتاً أنه ليس كل يوم في عالم الكرة يولد فيه لاعب مثل بوفون.