برشلونة يضرب من كل الأماكن. هذا ما بدا عليه الأمر في المباريات الأخيرة للفريق الكاتالوني، وآخرها أمام فياريال في إياب الدور نصف النهائي لمسابقة كأس إسبانيا لكرة القدم. وقد لا يكون الوصف جديداً على «البرسا»، إذ اعتاد الظهور لمواسم متتالية كصاحب قوة هجومية رهيبة تجلّت بوجود النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي في صفوفه، ووجود مهاجمين ذائعي الصيت حوله في مراحل مختلفة.
لكن الكلام اليوم يختلف عمّا كان عليه سابقاً، على اعتبار أنه حُكي الكثير عن مدى تأقلم عناصر خط الهجوم البرشلوني بعضهم مع بعض، أي ميسي والبرازيلي ونيمار والأوروغوياني لويس سواريز. وهذه المسألة كانت أساسية ومفصلية بالنسبة الى البعض هناك في برشلونة قبل انطلاق الموسم، وذكّرت كثيراً بتلك الحقبة مع المدرب جوسيب غوارديولا عندما وجد نفسه أمام مهمة دمج ثلاثة نجوم معاً في التركيبة الهجومية، أي ميسي والفرنسي تييري هنري والكاميروني صامويل إيتو.
المهمة نفسها، لكن مع صعوبة أكبر رُميت الى المدرب الحالي لويس إنريكه مع استقدام سواريز، وصعوبتها تكمن في فترة الإيقاف الطويلة التي أبقت سواريز بعيداً عن الملاعب، وبالتالي كان من شبه المستحيل العمل على توظيفه في نظام اللعب مع ميسي ونيمار وتأقلمه مع هذين الاثنين. أضف إن «إل بيستوليرو» كان بحاجة الى الوقت لاستعادة لياقته ومستواه وحسّه التهديفي، وهذا ما بدا جليّاً في مبارياتٍ كثيرة، حتى تنبأ البعض بفشله.
لكن مهلاً، وبالأرقام، يملك برشلونة اليوم أفضل ثلاثي هجومي في الدوري الإسباني، لا بل في أوروبا، إلى درجةٍ بات الغريم ريال مدريد يفكّر في خياراتٍ من أجل إضافة نجمٍ في الهجوم ليكمل البرتغالي كريستيانو رونالدو والويلزي غاريث بايل أو الفرنسي كريما بنزيما، على اعتبار أن الأخيرين لا يشكلان مع «سي آر 7» نفس القوة الهجومية التي تطبع أداء نيمار وسواريز وتدعم الحضور القوي لميسي على أرض الملعب.

نجح إنريكه في توظيف مهاجميه في مراكزهم المفضلة



26 هدفاً سجلها نيمار في المسابقات المختلفة هذا الموسم، 10 منها مررها ميسي إليه. هذه الإحصائية البسيطة تعطي فكرة عن أن إنريكه نجح في توظيف مهاجميه بشكلٍ يمكنهم من مساعدة بعضهم بعضاً، لا البحث عن تسجيل الأهداف الشخصية فقط. وهذا طبعاً بعد إصراره على اعتماد ميسي خلف سواريز تحديداً، مع دفعه نيمار باتجاه الطرف الأيسر، حيث يبرع تماماً.
توزّع المهاجمين الثلاثة لبرشلونة في مساحاتٍ مختلفة، لكن متقاربة على أرض الملعب تصيب خطوط دفاع الخصوم بالضياع، وخصوصاً مع تنقّل سواريز بين الميمنة والعمق، وهو التحرّك نفسه الذي كان يقوم به بامتياز بدرو رودريغيز (ظُلم بعد مجيء سواريز ولازم مقاعد البدلاء) سابقاً. لذا وبغض النظر عن عدم التوفيق الذي لازمه في فترةٍ سابقة، فإن «العضاض» قام بعملٍ كبير على صعيد توفير المساحات لميسي ونيمار أو عبر إمدادهما بالكرات الحاسمة، وهي مهمة اعتادها أصلاً مع ليفربول الإنكليزي عندما لعب بنفس المركز الى جانب دانيال ستاريدج ورحيم سترلينغ.
ومع انفتاح شهية سواريز التهديفية، تضاعفت قوة «البرسا» هجومياً، وخصوصاً مع التحرّر الذي مُنح لنيمار على الميسرة، بعكس ما كان عليه الأمر مع المدرب الأرجنتيني جيراردو «تاتا» مارتينو، حيث كان المطلوب من البرازيلي الالتزام بمركزه على الخط، بينما يفعل الآن ما هو محبّب بالنسبة إليه أي الانجراف نحو مشارف المنطقة وداخلها، ما يسمح له بمقابلة التمريرات السحرية لميسي وتحويلها الى أهداف، على غرار ما فعل في حالة الهدف الأول الذي سجله في «إل مادريغال» أول من أمس.
اما بالنسبة الى الساحر الأرجنتيني، فهو أثبت أن بإمكانه التأقلم مع أيٍّ كان وفي أي مركز، إذ في بعض المباريات يتحوّل من صانع ألعاب الى رأس حربة أو مهاجمٍ وهمي بشكلٍ محيّر لأولئك اللاعبين الذين يضطرون الى تبادل مراقبته، ما يبعثر الأوراق الدفاعية للمدربين.
برشلونة أقوى مما مضى وقوته تتعاظم مرحلة بعد أخرى بفضل هدافيه الثلاثة. هذا الأمر بات محسوماً ولو أن إصابة سيرجيو بوسكتس قد تغيّر من هذه المعادلة في الفترة القريبة المقبلة.