عادة، أو في الغالب، ينحت اللاعبون في الصخر كي يقتحموا عالم الشهرة، حتى لو كان الوصول إليه في سنوات قليلة، إلا أنهم في هذه الفترة يقدمون العجائب التي تجعلهم يخطفون الأضواء، والأمثلة كثيرة على ذلك، يكفي منها ذكر البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي في أيامنا هذه. لكن الأرجنتيني ماورو إيكاردي عرف الشهرة قبل أن ينحت ولو مجرد صخرة واحدة.
كان كافياً أن «يسرق» إيكاردي من مواطنه ماكسي لوبيز زوجته وأم أطفاله الثلاثة، واندا نارا، بعدما تقرّب منه لهذه الغاية، ليدخل الاثنان في جدال وحرب كلامية كانت كفيلة بأن تصوّب الأنظار، مبكراً، نحو هذا الشاب. حتى إن إيكاردي لم يكتف بذلك، بل راح يستفز لوبيز من حين لآخر، وتحديداً في لقطة صورة «السيلفي» التي جمعته مع واندا وأولاد مواطنه الثلاثة خلال تنزههم في السيارة، لتلقى تصرفات هذا الشاب البالغ 22 عاماً انتقادات واسعة، وأبرزها من مواطنه «الأسطورة» دييغو أرماندو مارادونا الذي صرّح للصحافيين خلال حضوره في روما مباراة ودية كان إيكاردي مشاركاً فيها بالقول: «لم يكن يجدر أن يلعب هذه المباراة. إيكاردي لا ينتمي إلى عالم كرة القدم».
بالتأكيد، ما أقدم عليه إيكاردي غير مقبول ومستهجن، لكن لا يمكن لاعباً من فئة المثيرين للجدل والمشاغبين أن لا تنتظر منه المفاجآت. ما اتضح سريعاً، وبعد تلك الحادثة، أن إيكاردي من هذه الفئة بامتياز. لاعب مثير للجدل ومشاغب. على سبيل المثال، وقبل أيام خلال مباراة فريق إيكاردي إنتر ميلانو أمام ساسوولو التي انتهت بخسارة «النيراتزوري»، توجّه الأرجنتيني مع زميله الكولومبي فريدي غوارين إلى جماهير إنتر، وما لبث أن رمى قميصه نحوهم بغضب شديد مكيلاً لهم الشتائم ومتصدياً لمحاولات زملائه أثناء ثنيهم عن ذلك وتهدئة روعه.
لاعب في فريق شهير مثل إنتر يكيل الشتائم لجمهوره؟ بالتأكيد المسألة مفاجئة، لكن إيكاردي فعلها.
هذا مفاجئ، لكن كيف بأحد تصاريح إيكاردي؟ فهنا العجب العجاب، وإليكم ما قاله هذا اللاعب في إحدى المرات: «أنا لا أشاهد المباريات على التلفاز مطلقاً ولا أعرف ما يجري. ما هي النتيجة التي حققها ميلان الأحد؟ لا أعلم شيئاً. من تأهل إلى نصف نهائي كأس إيطاليا؟ أيضاً لا أعرف!
بات إيكاردي
مثيراً للجدل من خلال تصرفاته داخل
الملعب وخارجه


هذه هي شخصية إيكاردي مع الكرة وبعيداً عنها إذاً. لكن ما يزيد الجدل حولها بالتأكيد أن من يتّصف بها هو لاعب موهوب. نعم، إذ صحيح أن قضية إيكاردي مع لوبيز صوّبت الأضواء عليه سريعاً، إلا أنه تمكن، وبسرعة على غرار النجوم الكبار، من أن يزيدها من خلال موهبته التهديفية العالية، وهذا ما جعل كل خطوة يخطوها هذا اللاعب داخل الملاعب وخارجها محل متابعة.
منذ الموسم الماضي، وتحديداً عند انتقال إيكاردي من سمبدوريا إلى إنتر ميلانو، بدا أن هذا اللاعب هو مشروع هداف كبير قادم إلى الكرتين الأرجنتينية والإيطالية، حيث راح مستواه يتطور بسرعة كبيرة، مبرزاً مهارة تهديفية عالية من خلال سرعته وقدرته على اقتناص الأهداف، حيث يحتل حالياً المركز الثاني في لائحة ترتيب الهدافين بـ 13 هدفاً، بفارق هدف واحد عن الأول مواطنه كارلوس تيفيز.
ولا شك أن تقديم إيكاردي هذا المستوى المميز ليس بقليل، وذلك لمسألة مهمة جداً وهي أنه يرتدي قميص إنتر ميلانو في إحدى أصعب المراحل التي يمر بها هذا الفريق. وفي المقابل أيضاً، فإنه لولا تألق الأرجنتيني حالياً وأهدافه الحاسمة في الكثير من المناسبات لكان «النيراتزوري» في موقع أدنى من المركز العاشر الذي يقبع فيه قبل المرحلة 23.
الأكيد أن إيكاردي يحتاج إلى مزيد من الوقت والخبرة حتى يعيد تذكير جماهير إنتر ميلانو بمهاجمين عظماء ارتدوا القميص الرقم 9 تحديداً، على غراره، في خط هجوم الفريق، وتركوا أثراً لا ينسى في النفوس مثل أليساندرو ألتوبيللي والألماني يورغن كلينسمان والكاميروني صامويل إيتو والبرازيلي «الظاهرة» رونالدو، لكن شرط أن تتمكن قبلاً إدارة النادي اللومباردي من الحفاظ على جوهرتها الوحيدة حالياً، وسط الحديث عن تعقّد المفاوضات بينهما ورغبة أكثر من فريق، وتحديداً من إنكلترا، في ضمه حيث تكثر ملاحقة موفديها له على مدرجات الملاعب الإيطالية في الآونة الأخيرة.
لكن كل هذا في كفة، ومشاغبات إيكاردي في كفة أخرى، إذ يجدر أن يتخلص منها تماماً هذا الأرجنتيني، المولود في مدينة روزاريو على غرار النجم ليونيل ميسي، إذا ما أراد أن يسير على خطى مواطنه ومثله الأعلى، ذلك الكبير الذي لا تزال الملاعب الإيطالية غير قادرة على نسيانه، ومن غيره؟ غابريال باتيستوتا.