تشتهر كرة القدم بالتواريخ، وبالتأكيد فإن يوم 7 شباط 2015 سيدخل سجلات هذه اللعبة التي لا ينتهي جنونها المحبب ومفاجآتها. ففي هذا اليوم، قدّم لنا أتلتيكو مدريد فصلاً جديداً من هذا الجنون ومفاجأة جديدة. قلنا مفاجأة؟ ثمة توضيح ضروري هنا، فأن يخسر ريال مدريد برباعية نظيفة وهو بطل لأوروبا والعالم ومتصدر حالياً ترتيب «الليغا» ويضم أهم لاعبي العالم، فتلك، بالتأكيد وبكل المقاييس، أمّ المفاجآت مهما يكن الخصم هنا، لكن أن يفوز «الروخيبلانكوس» على «الميرينغيز» بهذه النتيجة فتلك لم تعد مفاجأة لهذا الفريق الذي أضحى عقدة لجاره في العامين الأخيرين برغم تحقيق الريال لقب دوري أبطال أوروبا الأخير على حساب أتلتيكو، لكن للتذكير هنا فإن الملكي ادرك التعادل في الوقت القاتل حينها، وهذا الهدف من الطبيعي أن يدمر معنويات أي فريق في الشوطين الإضافيين بعدما كانت الكأس قد أصبحت في جعبته.
على كل الأحوال، باتت الحقيقة واضحة وضوح الشمس: أتلتيكو أقوى من الريال. مهما حقق الملكي من انتصارات داخلية وخارجية، فإنه في النهاية، عند محطة أتلتيكو، سيستسلم، سيرفع الراية البيضاء. المسألة هنا لم تعد تتعلق بمن يملك الكتيبة الأقوى من النجوم، بل أصبحت ذهنية. أضحى لاعبو الملكي يدخلون إلى الملعب وهم مرعوبون من خصومهم الحمر. باتت الصورة هنا أقرب - على ما تشتهر به إسبانيا في لعبة مصارع الثيران - إلى مصارع (ريال) عالق تحت قرني ثور (أتلتيكو) لا تعرف الشفقة إليه طريقاً.
هذا ما تابعه الحاضرون في الملعب والمشاهدون على الشاشات أول من أمس، إذ إن لاعبي أتلتيكو لم يتركوا للاعبي ريال حتى فرصة التقاط الأنفاس. منذ اللحظة الأولى وحتى صافرة النهاية، افترس الحمر خصومهم البيض. صدّقوا أن ريال مدريد لم يسدد على مرمى «رخيبلانكوس» أي كرة طيلة 45 دقيقة من الشوط الأول، اما في الشوط الثاني فكانت المحصلة تسديدة واحدة فقط للبديل آسيير يارامندي مقابل 11 تسديدة في المحصلة للاعبي «الأتلتي» وطبعاً من «العيار الثقيل» وهذا ما يمكن ان توصف به أهدافهم الرائعة، وتحديداً هدف البديل ساوول نيغيز من لعبة أكروباتية «دابل كيل».
أول من أمس، ضاع لاعبو ريال مدريد، من دون مبالغة، في ملعب «فيسنتي كالديرون». لا تسل عن أفضل لاعب في العالم، البرتغالي كريستيانو رونالدو، ولا عن الفرنسي كريم بنزيما ولا عن الموهوب إيسكو ولا حتى المميز الألماني طوني كروس. اختفوا تماماً. أما ذاك الويلزي غاريث بايل، الآتي بـ 100 مليون يورو ففقد أصول أبجدية الكرة وواصل تخبّطه في العاصمة الإسبانية، فيما خسر الوسط المعركة تماماً لمصلحة الخصوم، وهذه النقطة كانت العلامة الفارقة في المباراة. أما الدفاع فانهار لاعبوه تماماً وتشتتوا، وبطبيعة الحال لم يقبل إيكر كاسياس أن يقطع هذا اليوم من دون خطأ من أخطائه التي باتت تتكرر في العامين الأخيرين بهدف البرتغالي تياغو منديش الأول.
أما في الجهة المقابلة، فإن كل لاعبي أتلتيكو مدريد كانوا أبطالاً ومقاتلين لا يتعبون ولا يكلّون أو يملّون من الجري خلف الكرة والهجوم على الدوام ليقدّموا مرة جديدة درساً في اللعب الجماعي والتنظيم، مع لمحات فنية، تحديداً من الفرنسي المميز أنطوان غريزمان. اللافت في هؤلاء اللاعبين هو حفظهم للدرس جيداً من مدربهم الفذّ الأرجنتيني دييغو سيميوني، فتراهم يلعبون كـ «ماكينة» لا تهدأ وحتى لو سالت منهم الدماء كما حصل مع المدافع المميز الأوروغوياني دييغو غودين، الذي تلقى لكمة قوية على أنفه وأبى إلا أن يتابع المباراة بضمادات لجرحه. أما المدهش أكثر، فهو أن البدلاء يدخلون بحماسة وتركيز عاليين توازي تلك الموجودة عند الأساسيين.
في 7 شباط 2015، تصح كل العناوين التي أطلقتها الصحف على اللقاء بأن أتلتيكو دمّر الريال، وأذل الريال، وأهان الريال، ولقّنه درساً كبيراً.
في المقابل، يستحق لاعبو أتلتيكو ومدربهم سيميوني كل تحية وإشادة وتصفيق على ما قدّموه أول من أمس، وما يقدّمونه في أغلب مبارياتهم، برغم أنهم بعيدون من حيث القيمة المادية عن الكثير من الفرق الكبرى، وفي مقدمها الجار اللدود ريال مدريد، لكنهم تمكنوا من خلال روح التحدي التي يمتلكونها وشجاعتهم وحبهم لفريقهم من أن يدخلوا «نادي الكبار» من أوسع الأبواب.