قد تكون النتائج التي أصابها منتخب إيران في كأس آسيا 2015 لكرة القدم، المقامة في أوستراليا، عادية بالنسبة الى كثيرٍ من المتابعين. «تيم ملي» (أي المنتخب الوطني بالفارسية) حصد العلامة الكاملة في دور المجموعات بإسقاط منافسيه الخليجيين الثلاثة قطر، البحرين والامارات، ليقتحم الدور ربع النهائي بقوة.
وهذه المسألة ربما اعتادها المتابعون على اعتبار أن المنتخب الايراني هو أحد أقوى منتخبات «القارة الصفراء»، تماماً كما هي الحال في الالعاب الجماعية الاخرى حيث يقف الايرانيون دائماً في صف المنافسين الاوائل. كذلك، كان الكل ينتظر من منتخب إيران التأهل كما جرت العادة بالنسبة اليه، فهو بطل آسيا ثلاث مرات، وممثّل القارة في كأس العالم الاخيرة في البرازيل حيث سجّل حضوره الرابع في العرس الكبير.
لكن ما لا يعرفه كل هؤلاء أن ما فعله المنتخب الايراني هذه المرّة هو إنجازٌ يحسب له، لأن من تابع وضعه منذ ما قبل مونديال 2014، مروراً بالفترة التي تلته وسبقت كأس آسيا الحالية، ووصولاً اليها، يعرف حجم المعاناة التي مرّ بها رجال المدرب البرتغالي المعروف كارلوس كيروش، الذي وجد نفسه غير قادرٍ على إعداد منتخبه بشكلٍ مثالي، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد.
لطالما اعتبر
الرئيس نجاد منتخب بلاده من منتخبات النخبة في العالم



إيران هزمت كل من واجهها ولم تهتز شباكها حتى الآن. كل هذا رغم أن منتخب كيروش لم يخض أكثر من مباراتين وديتين منذ مشاركته في كأس العالم، حيث عاش فترةً صعبة أيضاً حُكي فيها كثيراً عن التأثيرات السلبية لتلك العقوبات التي لطالما تركت أثراً على الكرة الايرانية منذ ما يقارب ثلاثة أعوام. ففي الفترة التحضيرية للمونديال لم يتمكن المنتخب الايراني من تنظيم مباريات ودية مكثفة عشية الوصول الى البرازيل، وهو الامر عينه الذي عرفه قبل كأس آسيا بسبب ضعف الميزانية الحالية، فكان البحث عن منتخبات تساهم في دفع تكاليفها أي مباراة مع إيران على غرار ما فعلت كوريا الجنوبية والعراق، وهما المنتخبان الوحيدان اللذان لعبا مع «تيم ملي» منذ إغلاقه صفحة كأس العالم. وفي البطولة الاخيرة وصلت الامور الى حدّ طلب رئيس الاتحاد الايراني علي كافاشيان من اللاعبين تفادي تبديل قمصانهم مع لاعبي المنتخبات الاخرى، وذلك بسبب عدم وجود ملابس كافية في الاتحاد!
لكن رغم كل هذا الوضع تبدو الامور أفضل بكثير مما كانت عليه أواخر عام 2012 على سبيل المثال، ولو بشكلٍ نسبي. وهنا الحديث عن معرفة الأندية في إيران إيجاد نوعٍ من الاستقرار المادي، إذ يبدو أنها تعلمت من تلك التجربة التي عاشتها لفترة غير قصيرة يوم تدنى مستوى صرف الريال الايراني مقابل الدولار الاميركي، ما أفقدها غالبية لاعبيها الاجانب بعدما عجزت عن دفع رواتبهم، وخصوصاً أنها تدفع لهم بالدولار مقابل إعدادها لميزانياتها بالعملة المحلية. وبحسب بعض المصادر الاقتصادية، فإن تأثير العقوبات لا يزال حاضراً بشكلٍ أو بآخر، وهذا ما يفسّر بحث الاندية عن لاعبين أجانب أقل كلفة ومن بلدانٍ مجاورة في بعض الاحيان (منها لبنان) بعيداً من استقدام البرازيليين والاوروبيين المكلفين جداً.
والاتحاد الإيراني أيضاً كاد يخسر كيروش بسبب الاوضاع الحاصلة قبل أن يُدفع بمطالبة شعبية الى تمديد عقده على خلفية ظهور المنتخب بشكلٍ مشرّف معه في المونديال. وهذه الخطوة تركت ارتياحاً بأن كرة القدم متأثرة بشكلٍ أقل بالعقوبات الاقتصادية حالياً، وقد ترافق هذا الامر مع عودة بعض اللاعبين الدوليين للعب في الدوري المحلي بعدما هجروه للأسباب السالفة الذكر، لا بلإان لاعباً مثل الدولي السابق فيريدون زاندي لم يمانع اللعب في دوري الدرجة الثانية في قطر لتأمين راتبٍ ثابت...
المهم أن ما يمرّ به المنتخب الايراني اليوم يترك سؤالاً عريضاً حول التداخل الذي يحصل بين السياسة والرياضة وتأثير الاولى على الثانية بشكلٍ مباشر، وخصوصاً في مجتمعات مثل المجتمع الايراني حيث كرة القدم تحظى بمكانة لا تقلّ شأناً عن القطاعين السياسي والاقتصادي. وهذه المسألة لمسناها في تركيز الرؤساء المتعاقبين على تخصيص اهتمامٍ خاص للمنتخب الايراني، الذي اعتبره يوماً الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أنه «لا ينتمي الى كبار آسيا فقط بل الى نخبة منتخبات العالم، بحيث إن قوته في مواهب لاعبيه». اليوم «تيم ملي» يترجم هذا الكلام في كأس آسيا ويظهر أقوى من العقوبات الاقتصادية.




«الفيفا» يتجاهل مبادئه ويعاقب إيران

في وقتٍ تنادي فيه المؤسسات الدولية الكروية بضرورة عدم تداخل السياسة والرياضة، وتعاقب الاتحادات الوطنية في حال إنصاتها إلى تعليمات من الحكومات المحلية، يبدو لافتاً تعامل الاتحاد الدولي لكرة القدم مع ما يمرّ به المنتخب الايراني، وخصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن «الفيفا» لم يحرّر حتى الآن مبلغاً قدره 8 ملايين دولار، وهي مستحقات إيران جراء ظهورها في كأس العالم 2014. والمسألة نفسها كان قد حكى عنها المدرب كارلوس كيروش علناً، مهاجماً الاتحادين الدولي والآسيوي، ومشيراً إلى أن التصرفات الحاصلة بحق المنتخب الإيراني تتناقض ومبدأ اللعب النظيف، على اعتبار أن المنتخبات الأخرى تستعد بنحو طبيعي وتعيش ظروفاً طبيعية، ما يعطيها افضليةً على «تيم ملي».