يرتفع مستوى حمّى المونديل في لبنان مع اقتراب انطلاق كأس العالم لكرة القدم، ويضاف إلى الحديث عن من سيصل إلى النهائي، ومن سيفوز، حديث آخر يدور في الشارع اللبناني، كيف سنشاهد مباريات كأس العالم... وما هو الثمن؟
عبد القادر سعد
قبل ثلاثة أسابيع ارتفعت لوحة إعلانية عملاقة على أول أوتوستراد الأسد (طريق المطار) تروّج لحصرية شركة MK ELECTRONICS لبيع حقوق مشاهدة مباريات كأس العام 2010. إعلان يؤكد أنّ زمن مشاهدة مباريات المونديال مجّاناً قد ولّى، وأصبحت كل مباراة لها ثمن.
هذا الثمن سيُدفع إلى الشركة اللبنانية التي وقع عليها الاختيار بناءً على خبرتها في عالم الساتلايت، وبعد زيارة لوفد من الجزيرة إلى لبنان والاجتماع مع سبع شركات كانت ترغب في الحصول على الحقوق. ولم تدفع الشركة اللبنانية للجزيرة مقابل الحصرية، بل ستتقاضى عمولة مقابل كل عقد يوقّع معها، فيما المال يذهب إلى الجزيرة.
سبقت الإعلان تساؤلات عن الآلية التي سيخضع لها الجمهور البناني من أجل المشاهدة، وهل سيستطيع أصحاب محطات الساتلايت توزيع المباريات مجاناً، وكيف يستطيع الأفراد الاشتراك والحصول على حق مشاهدة المباريات؟ أضف إلى ذلك الأرقام التي طُرحت عن تكلفة عرض المباريات في المطاعم والفنادق، التي وصلت إلى مبالغ كبيرة ناهزت عشرين ألف دولار للمطعم الواحد.
في مونديال 2006 ظهرت في الأفق بوادر أزمة مشابهة كالتي تحصل اليوم، لكن حينها حصل اتفاق بين ART وأصحاب الكابلات مقابل مبلغ معيّن، واستطاع اللبنانيون مشاهدة المونديال. بعد أربعة أعوام يبدو أن الأمور تغيّرت، وأصبح لزاماً على كل من يريد أن يشاهد المباريات أن يدفع ثمنها.

ثلاثة أقسام

تراوح الأسعار بين 500 و12 ألف دولار للمؤسسات، أما بالنسبة إلى الأفراد فبين 100 و130 دولاراً
يوضح محمد الخطيب، صاحب شركة MK ELECTRONICS، أن بيع الحقوق قُسّم إلى ثلاثة أقسام: أفراد، مطاعم وفنادق وأصحاب محطات الكابل.
بالنسبة إلى الأفراد، فإن الشركة تقدّم عرضين: الاشتراك لمدة ستة أشهر مقابل 130 دولار، وهذا يشمل باقة الجزيرة الرياضية الأساسية (من 1 إلى +8)، إضافةً إلى المحطات الخمس التي ستعرض مباريات المونديال (+9، +10، 3D، HD، وقناة المونديال WC).
أما إذا أراد المشترك الحصول على قنوات المونديال فقط، فحينها يجب أن يدفع 100 دولار، ولكن يجب أن يكون لديه الكارت الذي يضم الباقات الأخرى.
وبالنسبة إلى المطاعم والفنادق، فقد جرى تقسيمها إلى فئات، تبدأ من نجمة واحدة، وتصل إلى زائد خمس نجوم. وتحدّد الفئة التي يصنّف من خلالها المطعم أو المقهى أو الفندق المبلغ الواجب دفعه مقابل شاشتين فقط، وكل شاشة إضافية سيستحقّ عليها مبلغ آخر.
ففي وسط بيروت، يصل سعر الشاشتين إلى 12 ألف دولار مع دفع مبلغ 2000 دولار مقابل كل شاشة إضافية. ويعدّ هذا السعر هو الأعلى بين باقي الأسعار، التي تتراجع بحسب المنطقة والتصنيف. ففي بيروت وجونيه والكسليك تراوح الأسعار بين الخمسة آلاف والثمانية آلاف دولار، مع إضافة ألف دولار مقابل كل شاشة إضافية، أمّا خارجها، فيتراجع السعر إلى 3000 دولار، وفي القرى قد يصل المبلغ إلى 1000 دولار، وحتى إلى 500 دولار.
وبالنسبة إلى المطاعم التي تصنّف كسلسلة (MCDONALDS ،KFC، PIZZA HUT...)، فقد جرى تسعير الحقوق بخمسة آلاف دولار (3000 للباقة الأساسية 8 محطات، 2000 دولار لباقة المونديال) ولا يمكن شراء باقة المونديال فقط. ويشير الخطيب إلى أنّ عدد المؤسسات التي وقّعت عقوداً بلغ حوالى 300 مؤسسة، أمّا بالنسبة إلى الأفراد، فبلغ العدد ما يقارب سبعة آلاف مشترك. ولا تقدّم الشركة أيّ عرض للمؤسسات قبل أن تتقدّم هذه المؤسسات بطلب رسمي، وتعبّئ استمارة مفصّلة تتضمن اسم الشركة وطبيعتها، وسجلّها التجاري وعدد المقاعد، وعدد الشاشات التي ستضعها....

المشكلة مع أصحاب الكابلات

القسم الثالث من بيع الحقوق يتعلّق بأصحاب محطات الكابل، الذين يوزّعون للشريحة الأكبر من الجمهور اللبناني... وهنا بيت القصيد.
المفاوضات بين شركة MK ELECTRONICS وأصحاب الكابلات بوساطة من وزير الإعلام طارق متري بدأت بطلب الشركة مبلغ مليون دولار مقابل السماح لأصحاب الكابلات بالتوزيع. هذا المبلغ ما لبث أن خُفض إلى 800 ألف دولار، بواقع دولار واحد عن كل بيت، إذ تشير الأرقام إلى وجود 800 محطة كابل في لبنان، توزّع لحوالى 800 ألف مشترك.
هذه المفاوضات لم تصل بعد إلى نهايتها السعيدة، إذ ما زالت الأمور عالقة، ولم تتّضح الصورة بعد.
ويوضح الخطيب، صاحب الحقوق، أن بعض أصحاب الكابلات بدأوا بجباية مبالغ إضافية من المشتركين بحجة المونديال، فيما هم لم يدفعوا دولاراً واحداً بعد، «وكل المسألة محصورة بشراء كارت الـ 130 دولاراً كاشتراك فردي ويوزّعونه لنصف بيروت».
ويلفت الخطيب إلى أن الوزير متري يؤدّي دوراً كبيراً إلى جانب جهود مستشاره توفيق ينّية «لكن يبدو أن أصحاب الكابلات يريدون من الوزير أن يقدّم إليهم المونديال على طبق من فضّة، بل أكثر من ذلك دفع مبالغ لهم مقابل العرض!».
وتتضارب المعلومات لدى سؤال بعض أصحاب المحطات، فمنهم من يقول إنه سيوزّع مهما كانت النتيجة، وهناك أكثر من مصدر للحصول على المباريات، وهناك من ينتظر نتائج المفاوضات مع الشركة بوساطة الوزير.

تعرفة إضافية في المطاعم

ما زالت مسألة موزعي الكابلات معلّقة بعد رفض السعر المطلوب وهو 800 ألف دولار بنسبة دولار واحد لكل مشترك
وعلى صعيد المطاعم والفنادق لا مشاكل، إذ إنّ هذه المؤسسات تقبّلت المبدأ، ووقّعت عقوداً مع الشركة التي تملك الحقوق، لكن طبعاً مع بعض التعديلات على الأسعار. وهذه التكاليف لعرض المباريات في المطاعم، سيشعر بها المواطن، إذ ستضاف تعرفة إضافية خلال شهر المونديال وهي تراوح بين منطقة وأخرى. ففي جولة على بعض هذه المطاعم يظهر أن أحد المطاعم المهمّة والشهيرة في وسط بيروت (DOWN TOWN) سيفرض على كل زبون مبلغ 50 دولاراً كحد أدنى لطلباته، بحيث إنه لا يتقاضى منه تعرفة إضافية، لكنه يُلزمه بتناول أطعمة ومشروبات بقيمة 50 دولاراً.
أما في منطقة الحمراء، فمن المتوقع أن تضيف المطاعم تعرفة إضافيةً إلى كل زبون بقيمة تراوح بين 10 آلاف و15 ألف ليرة لبنانية. وهو مبلغ يراه أحد أصحاب تلك المطاعم منطقياً، وخصوصاً أنّ المونديال يتطلّب بعض الإجراءات كزيادة عدد الطاولات، وتوسيع المطبخ كي يتمكّن من استيعاب جميع الطلبات التي سترد ضمن فترة محددة (خلال عرض المباريات).
أما خارج بيروت، فالأسعار أقل، إذ إنّ أحد المطاعم الكبرى في الدكوانة، والمتخصّص في الأجواء الرياضية، ستكون الكلفة لديه بين 6 و7 آلاف ليرة لبنانية، مع إمكان رفع المبلغ في الدورين نصف النهائي والنهائي. ويرى صاحب المطعم أن الزيادة طبيعيّة، وخصوصاً بعد التحسينات الكبيرة التي أُجريت، ولا سيّما في الترّاس الخارجي.
ما بين الحصرية والمجّانية «اللبناني شاطر»، ومهما جرى تقييده بقوانين وحصرية، ففي النهاية سيعرف كيف يشاهد المباريات وبأقل كلفة، وستسوَّى الأمور على الطريقة اللبنانية كما في كل مرة.


وساطة

دخل وزير الإعلام طارق متري ومستشاره توفيق ينيّه على خط الوساطة بين النقابات والشركة المعتمدة.. وتشمل هذه النقابات المطاعم والملاهي والمؤسسات السياحية والفنادق وموزّعي الكابلات، الذين طالبوا الشركة بخفض الأسعار إلى الثلث، وهو ما دفع بصاحب الشركة محمد الخطيب إلى السفر إلى قطر لطرح الموضوع على قناة الجزيرة.
ولا يبدو أنّ الجزيرة مستعدة لتغيير الأسعار، وخصوصاً أنها عمّمتها على جميع الدول العربية وشمال أفريقيا وإيران، ولم تلقَ اعتراضاً، وبالتالي، فإنّ أيّ تغيير قد يحرج الشركة. وهذا ما يرجّح مسألة التفاوض من تحت الطاولة، كي لا يلجأ اللبناني إلى المحطات الأجنبية التي ستنقل المباريات.