في كرة القدم، كل ذي حق يأخذ حقه وهو على قيد الحياة. ففي الغالب اعتدنا أن يكرم المرء بعد مماته، أما في هذه اللعبة الشعبية فإن التكريم الأفضل يكون مباشرة بعد التألق حيث يحتل اسم اللاعب شوارع المدن وملاعبها وأحياناً المدينة بأكملها
حسن زين الدين
اعتدنا في الغالب أن تحمل شوارع المدن أسماء العظماء من قادة وسياسيين وشعراء وغيرهم ممن يتركون بصمة للبشرية خلال حياتهم، ويكرمون في الغالب بعد مماتهم، أو أن بعض المدن العالمية تغيّر أسماء شوارعها بحسب الحقبة السياسية والعسكرية التي تحكم البلد...هكذا حدثنا التاريخ. في كرة القدم لا يبدو الوضع مغايراً، إذ لهذه اللعبة أيضاً واقعها الخاص، ثمة حياة أخرى في كرة القدم لها أصولها وقواعدها. هنا، وعندما يخطف النجم ألباب عشاق اللعبة يصبح رمزاً، ورمزاً كبيراً بمكانة القادة الكبار، فلنمرّ مثلاً على مدينة نابولي في إيطاليا، هناك منذ أن وطئت قدما دييغو مارادونا أرض المدينة في الثمانينيات تغير كل شيء في واقعها ولا يزال. كل شيء هناك أصبح مارادونا، المحال، الشوارع، الأحياء. كل شيء يحدّثك عن أن نجماً مرّ من هنا ولا يزال طيفه يخيم على يوميات أبنائها، أصبح مارادونا جزءاً لا يتجزأ من هذه الأرض التي تشرّبت من فنياته وإبداعاته.
في كرة القدم إذاً يكرم المرء وهو على قيد الحياة، لا يكفي فقط أن يرفع على الأكتاف أو يُهتف باسمه، بل إن اسمه سيحتل مكانة كبرى، فها هم عشاق النجم الإسباني أندريس إنييستا ينشئون موقعاً إلكترونيا لجمع تواقيع 25 ألف مشجع من أجل مطالبة المجلس البلدي لمدينة ألباسيتي بقبول تغيير اسم الاستاد الشهير «كارلوس بيلمونت» و الاستعانة باسم الأسطورة الحية «أندريس إنييستا» الذي قاد بلاده الى التتويج بلقب كأس العالم في جنوب أفريقيا بعد تسجيله هدف الفوز في مرمى هولندا في المباراة النهائية، وذلك بحسب ما ينقل موقع «غول» العالمي المختص بكرة القدم.
إذاً إنييستا أصبح معبوداً للجماهير في إسبانيا، وأكثر من ذلك فإن هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها اسم اللاعب على أحد الأمكنة في بلده، إذ سبق أن أطلق اسمه على أحد الشوارع في مسقط رأسه مدينة «فوانتيالبيللا».
غير أن الروسي أندريه أرشافين لاعب أرسنال الإنكليزي كان له مكانة أكبر في قلوب عشاقه في بلاده روسيا التي تتغير فيها أسماء مدن بأكملها بحسب الفترة السياسية الحاكمة أو بحسب باني المدينة كمدينة سان بطرسبورغ التي تحمل اسم عائلة بيار مؤسسها والتي أُطلق عليها في ما بعد عام 1924، بعد رحيل لينين، اسم لينينغراد، وهكذا فإن مجموعة «بارابول» أرادت أن تبني مدينة سكنية تحمل ببساطة اسم لاعب كرة القدم الشهير في البلاد أرشافين ويطلق عليها اسم «ارشافينكا»، بحسب ما تورد صحيفة «ديلوفوك بطرسبورغ».
رمزية النجوم لا تتوقف عند هذا الحد، والأمثلة كثيرة في تاريخ اللعبة. فها هي صورة النجم الفرنسي السابق زين الدين زيدان تحتل قبل عام واجهة الطوابع البريدية في بلاده تكريماً له على عطاءاته الكروية، وقبله، كان دور الأسطورة البرتغالية أوزيبيو الذي احتلت صورته العملات
النقدية.
كل شيء إذاً يبدو مستحيلاً إلا في كرة القدم. هنا، كل ذي حق يأخذ حقه على أكمل وجه، وهنا يكرّم الإنسان وهو في كامل عطائه... لا بعد مماته.


اسم بيليه أُطلق على متحف

لم يُطلق اسم بيليه، لاعب كرة القدم البرازيلي الأسطوري على مدينة أو شارع أو ملعب، بل احتل اسم أحد المتاحف في بلاده، وتحديداً في مدينة ساو باولو في ملعب «باكيمبو»، وهو الأول من نوعه في العالم، حيث بلغت استثماراته نحو 16 مليون دولار وأسهمت فيها الحكومات الإقليمية والمجالس البلدية في المدينة العريقة.