لا، كأس العالم لم تنتهِ تماماً بعد. فقط انتهت مباريات الكأس على ملاعب جنوب أفريقيا، فحمل الإسبان كأس اللقب، وعاد الهولنديون بكأس الخيبة الثالثة، وطارت كؤوس أخرى متنوّعة بين المنتخبات والفيفا، ودوائر البلد المضيف، وجماهيرها في أنحاء العالم
علي صفا
ماراثون كأس العالم، الذي شغل العالم شهراً، لا يمكن أن «ينكتم» سريعاً. ففي إسبانيا، البطلة، تتوالى الأفراح من الشعب إلى الملك، فالفوز الأول غالٍ كالمولود البكر، الذي يمنح الأهل حياة جديدة. والمنتخبات الأخرى الـ31 حملت كؤوسها بين المرارة والرضى والتكريم والتغيير والترميم. وبقيت أصداء المونديال الأفريقي الأول تموج فوق مراجع البلد المضيف، وفي أروقة الفيفا مع سقطات التحكيم والتحطيم وضحايا الأمن.
وتتفاعل مراجع الدول المشاركة بين تقدير ورضى في أورغواي وغانا، وأسى في البرازيل والأرجنتين وإنكلترا، وانكسار في فرنسا وإيطاليا، وطموح في ألمانيا وباراغواي والبرتغال.
وهكذا، ملفات طويت وكشوف فُتحت مع تساؤلات وأرقام للحساب والعقاب في دوائر مسؤولة.
فنياً: نص...نص
كشفت نتائج هذا المونديال فروقاً واضحة بين «تجميع فريق» و«إنشاء فريق». فقد سقطت فرق التجميع سريعاً ( فرنسا المرشحة، وإيطاليا حاملة اللقب، واليونان بطلة أوروبا السابقة)، كما سقط تجميع أسماء النجوم في منتخبات ساحل العاج والكاميرون ونيجيريا. وفي المقابل برزت مستويات إسبانيا وألمانيا وهولندا وأورغواي، ومعها غانا، وحتى اليابان وكوريا الجنوبية، كمنتخبات مشغولة بعناية للحاضر والمستقبل.
وبدا البرازيلي غير ناضج تماماً للمنافسة على اللقب، بدليل توتر لاعبيه، وخروج لاعب وسطه فيليبي ميلو بصفراء غبيّة في لقاء حاسم أمام هولندا.
وبدا الأرجنتيني «ملحوماً» بقُبَل وحنان مارادونا الطامح إلى لقب «اللاعب والمدرب البطل»، لكنه سرعان ما تفكّك أمام الماكينة الألمانية.
وبدا الإنكليزي مكبّلا بقيود مدربه كابيللو، قبل أدائه أمام الألمان، حيث صدمه الحكم ومساعده بعدم احتساب الهدف الثاني من لومبارد، الذي عرقل المعادلة.
وهكذا تبيّن أنّ مدربي الأرض والفضاء لا يمكن أن يُحيوا منتخبات مهترئة، فماذا فعلت الأسماء والملايين؟
وعلى صعيد النجوم، سقطت فرديات كريستيانو رونالدو، وظهر عبئاً على البرتغاليّ، وتاه روني الوحش بعيداً عن مستواه ومرمى الخصوم، وخرج ميسي مظلوماً مرهقاً بالحصارات وضغوط المسؤوليات عليه. وبرز المخضرم فورلان، والنجم الألماني الشامل مولر.
وتفوقت أسماء المدربين: الإسباني دل بوسكي، والألماني لوف، والهولندي مارفيك، والأورغواياني أوسكار تاباريز. والصربي رايفاتش (غانا).
أمّا منتخب الجزائر العربي الوحيد، فكان يلزمه مزيد من الإعداد الجديّ ليكسب عقول العرب مع عواطفهم، ويترك أكثر من هدف في مشاركته.
وفي الخلاصة، كيف يصنّف هذا المونديال؟ إنّ السقوط المبكر للفرق الجاذبة كإيطاليا وفرنسا والبرازيل والأرجنتين وإنكلترا أطفأ حرارة المونديال، ليكمل «مشواره» على الشموع. وتبيّن أنّ النجاح لا ينهض بالمستويات فقط، بل يحتاج أيضاً إلى حضور نجومية الفرق واللاعبين التقليديّين.
البلد المضيف: نجاح وخسائر
هل نجحت جنوب أفريقيا في استضافة المونديال كما يجب؟
حقيقة الجواب تأتي لاحقاً بعد دراسات وكشف حسابات دقيقة، فظاهرياً نجح ممثل أفريقيا على الشاشات، وسط حوادث متفرقة بين القتل والسرقات، ولكن أصوات المعارضة هناك فتحت النيران على أهل الحكم والكرة والفيفا بتهم الفساد.

كشف المونديال فروقاً فاضحة بين منطقي «تجميع الفريق» و «إنشاء الفريق»

كشف الدكتور باتريك باوند، المتخصص في الاقتصاد والاجتماع السياسي، عن نقاط فساد واستغلال حكومي لهذا المونديال، منها: الهدر المالي الفائض والفاضح عن الحدود المطلوبة، والفشل في تحقيق تسهيلات اقتصادية عامة للشعب، واستغلال الحكم في تعطيل الحريات والديموقراطية ضد المعارضين.
وكشف باوند ضغوط الفيفا لتحقيق أرباح فاحشة. فقد رفض رئيسها، سيب بلاتر، ترميم ملعب بحجة وقوعه في منطقة فقيرة، ما فرض بناء ملعب جديد بكلفة 375 مليون دولار، ومطار جديد بكلفة تفوق المليار دولار على حساب مشاريع إسكان ومستشفيات ومدارس في مناطق شعبية.
والسؤال: كيف يمكن السلطات أن تعوّض أكلاف استضافتها رغم عدم وضوح عائداتها؟

الفيفا: الرابح الأكبر

أهنّئ هذا البلد، فقد نجحت التجربة. طبيعي أن يصرّح الداهية بلاتر، رئيس الفيفا، بهذا المديح، ملتفتاً إلى فوائده هو و«فيفاه»، بعيداً من خسائر البلد المادية، مع تراجع نسبة سيّاح المونديال لأسباب عديدة، فنية وأمنية وسياحية، وخروج الكبار مبكراً. الفيفا حصدت حقوق بث المونديال مع شركاء لها من الشركات الكبرى الراعية، وهي ستوزّع القليل لتكسب الباقي الكثير، وهي متّهمة أيضاً بتلقّي رشى من دول مرشحة لاستضافة مونديال 2018.
وعليه، تبقى صراعات المونديال مفتوحة بين أهل الضيافات والفيفا ومواليهم ومعارضيهم... حتى إشعار آخر.


بلاتر رابح على حساب الجميع