مثّلت بداية السبعينيات نقلة نوعية في تاريخ نادي برشلونة الإسباني مع وصول المدرب الهولندي الشهير رينوس ميتشلز للإشراف على «البلاوغرانا». وفي هذه الفترة كانت الكرة الهولندية في أوج عطائها، والدليل وصول المنتخب البرتقالي بعدها إلى المباراة النهائية لكأس العالم 1974 (خسرها أمام ألمانيا على أرضها)، ثم كرّر الإنجاز عينه عام 1978 (خسرها أمام الأرجنتين على أرضها أيضاً).وصول ميتشلز إلى النادي الكاتالوني أسّس لمرحلة تغلغل اللاعبين والمدربين الهولنديين في أرجاء برشلونة حتى بدا الفريق في فترةٍ من الفترات كأنه نسخة عن المنتخب الهولندي، لكن باللونين الأزرق والأحمر.
صلة الوصل بين برشلونة وأندية هولندا وضعها ميتشلز عندما استقدم النجمين الغنيين عن التعريف يوهان كرويف ويوهان نيسكنز عامي 1973 و1974 على التوالي، حيث رفعا من جودة لعب «البرسا» إلى درجة أن الجماهير طالبت باعتماد أسلوب «الجنرال» المهووس بالكرة الشاملة بعد رحيله مع «الهولندي الطائر» عام 1978(ترك نيسكنز النادي بعدهما بسنةٍ واحدة).

19 هولندياً في «البرسا»

مع وصول أفيلاي إلى برشلونة، ارتفع عدد الهولنديين الذين دافعوا عن ألوان النادي إلى 19 لاعباً، وقد خاضوا أكثر من 2100 مباراة، وهزّوا الشباك أكثر من 500 مرة ليصنعوا أفراح فريق «الإقليم الثائر». هؤلاء القادمون من بلد «التوليب» ساعدوا «البرسا» على مدار 23 موسماً، على الفوز بتسعة ألقاب في «الليغا» وأربعة ألقاب في كأس الملك وستة ألقاب في الكأس السوبر المحلية، إضافةً إلى لقبين في دوري أبطال أوروبا ومثلهما في كأس الاتحاد الأوروبي والكأس السوبر الأوروبية.
من هنا، أصبح تعلّق النادي الكاتالوني باللاعبين الهولنديين كبيراً، وهم أصلاً أحبوا حتى العبادة ذاك النجم المدعو كرويف الذي فضّل ارتداء قميص فريقهم على الانتقال إلى العدو الأزلي ريال مدريد، وخصوصاً أن رفض «الهولندي الطائر» جاء على خلفية رعاية الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو لنادي العاصمة. ولم يتوقف ارتباط كرويف أحد القلائل الذين ارتدوا شارة قيادة برشلونة، بكاتالونيا عند هذا الحدّ، فأطلق على نجله اسماً محلياً هو جوردي الذي دافع عن ألوان الفريق من 1993 إلى 1996.
صاحب الرقم 14 الشهير أكمل العمل الذي بدأه «عرابه» ميتشلز، فشرع في ضخّ لاعبي بلاده داخل النادي ابتداءً من أواخر الثمانينيات، وسط حصوله على ثقةٍ عمياء من معظم الرؤساء الذين توافدوا مع السنين. وكان إشراف كرويف على الفريق عاملاً حاسماً في اتباع سياسة جلب الهولنديين، وأبرزهم في تلك الحقبة المدافع ــ الهداف رونالد كومان (سجل 102 هدف في ستة أعوام) صاحب هدف النصر الشهير في نهائي دوري الأبطال عام 1992.

برشلونة والكرة الشاملة

حتى يومنا هذا، لا يزال هناك اقتناع بأن نجاحات برشلونة في الألفية الجديدة تعود إلى كرويف، والفريق الحلم الذي يقدّم أداءً أسطورياً حالياً (رغم عدم وجود أي لاعب هولندي في صفوفه) هو تظهير للثقافة التي علّمها الرجل الخفي الذي يعمل في الظل، للجميع في النادي، وآخرهم المدرب جوسيب غوارديولا الذي تتلمذ على يديه، فكانت النتيجة استعراضاً كروياً شاملاً لا مثيل له. وهذا الاستعراض مرشح ليصبح أقوى بعد النصيحة التي همس بها كرويف في أذن غوارديولا بالإسراع في التعاقد مع أفيلاي (أول هولندي يوقّع لبرشلونة منذ رحيل جيوفاني فان برونكهورست إلى فيينورد روتردام عام 2007)، الذي رغم أصوله المغربية، فإنه يتمتع بعقلية هولندية في لعب الكرة مهما كانت الظروف، والدليل أنه يمكنه شغل مراكز عدة أي اللعب خلف المهاجمين وعلى الجناحين أو كمهاجمٍ صرف.
لكن حذارِ، لم تكن كل الأمور مثالية مع الهولنديين في برشلونة؛ إذ يتذكر الجميع كيف انتهت حقبة المدرب لويس فان غال الذي تسلّح بثمانية عناصر من أبناء جلدته، فحصد الخيبة في نهاية المطاف ورُفعت المناديل البيضاء في وجهه.


ريال مدريد
محاولة نسخ فاشلة



لا يخفى أن نجاح التجربة الهولندية في برشلونة دفعت الغريم التقليدي ريال مدريد الى محاولة نسخها، فشرع «الميرينغيز» في استقطاب النجوم من «البلاد المنخفضة» أملاً في جلب الكؤوس إلى «سانتياغو برنابيو» وتسطير أداء ممتع على غرار ما فعل برتقاليو «البلاوغرانا» طوال أعوام عدة.
وبعد تجميد فريق برشلونة نسبياً انتداباته الهولندية، أخذ ريال مدريد المبادرة فاستقدم الهداف رود فان نيستلروي من مانشستر يونايتد، ليصبح جزءاً من سلسلة برتقالية جمعته برويستون درينتي وويسلي سنايدر واريين روبن ورافايل فان در فارت وكلاس يان هونتيلار.
لكن رغم موهبة الاسماء المذكورة فإنها لم تصب النجومية في نادي العاصمة على غرار ما فعل غالبية مواطنيهم في برشلونة، فكان من السهل الاستغناء عنهم، وقد ذهب بعضهم الى تسطير الإنجازات بعيداً من ملاعب «الليغا»، والمثال الأبرز على هذا الموضوع قيادة سنايدر وروبن لإنتر ميلانو وبايرن ميونيخ توالياً الى المباراة النهائية لدوري الأبطال ثم الى نهائي المونديال.