قبل أيام قليلة من سريان مفعول «قانون قيصر» اﻷميركي (منتصف حزيران الماضي) على سوريا، أطلق سوريون في أوروبا حملة لدعم الأسر الأشدّ فقراً في بلادهم، متعهدين بإيصالها إلى العائلات مباشرة.كان اللافت أن الحملة شملت مختلف المناطق السورية خارج الاصطفافات السياسية المعروفة. هذا القفز فوق السياسة لم يكن أمراً سهلاً، فلا يزال بعض السوريين في مختلف بقاع تهجيرهم ومحنتهم، يتبادلون تهم التخوين أحياناً، عندما تحضر أية مبادرة تجمعهم خارج حدود مناطق اصطفافاتهم.
يقول الشاعر السوري فريد ياغي، الذي أطلق شرارة المبادرة، إن هذا العُصاب كان واحداً من دوافعه ﻹطلاق مبادرة تشمل كل المناطق السورية. تقوم الفكرة كما يقول ياغي ـــ ابن دمشق والمقيم في ألمانيا منذ سنوات ـــ في حديث إلى «الأخبار» على أن «يجتمع كل عشرة أشخاص لجمع مئة يورو أو ما يقابلها من العملات الأخرى، فيدفع كل فرد من أفراد المجموعة عشرة يوروهات، ثم يتم تحويل المبلغ إلى عائلة من اختيار المجموعة، وتشكّل المجموعة من الأقارب أو الأصدقاء أو المعارف الذين لديهم الاستعداد على التبرّع بمبلغ عشرة يوروهات فما فوق شهريّاً» لمدة غير محدودة.
يتم تشكيل المجموعة المعنية في إحدى المدن أو المناطق التي يعرف اﻷشخاص فيها بعضهم بعضاً، عبر التواصل على صفحة المبادرة التي أطلقوها على منصة «فايسبوك»، وعند وصولها إلى عشرة أشخاص تنتقل لتناقش أمورها بشكل خاص، وهي من تحدد العائلة التي سوف ترسل إليها المال وعلى مسؤوليتها وقرارها المنفرد. وذلك ما يساهم وفق مؤسس المبادرة في تفادي عمليات سرقة اﻷموال أو التشكيك في عمليات نقلها ووصولها إلى مستحقيها، حيث تعرف المجموعة العائلة المرسل إليها بشكل واقعي.
لا يشكّل مبلغ العشرة يوروهات عبئاً شهرياً على المرسل، ولكن مبلغ مئة يورو هو لا شك عبءٌ على الغالبية المعتمدة على نظام الضمان الاجتماعي اﻷوروبي، ومن هنا أتت فكرة تجميع عشرة أشخاص، حتى لا يشكل اﻷمر عبئاً على أحد، وبالمقابل فإن مبلغ مئة يورو لعائلة سورية يعادل رواتب أربعة موظفين من الفئة اﻷولى (تقريباً 280 ألف ليرة سورية).
تساعد إدارة المبادرة اﻷشخاص على التواصل في ما بينهم، إذ تعمل على وصل سوريين ـــ وعرب ـــ في ما بينهم لتمكين تشكيل المجموعات التي شهد عددها تزايداً ملحوظاً فوصل إلى أكثر من مئة وعشر مجموعات تتوزع على القارة العجوز وبعض الدول العربية، بأكثر من ألف مشارك.
وكانت ألمانيا، أكثر الدول مشاركة، بأربع وسبعين مجموعةً وأكثر المدن مشاركة مدينة كوبلنز التي شكلت على صغر حجمها عشر مجموعات كاملة، في حين أن هناك غياباً للسوريين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وماليزيا، بالرغم من وجود جاليات كبيرة مكتفية ذاتيّاً، وهو ما يرجعه مؤسس المبادرة إلى «عدم وصول المبادرة إعلاميّاً».
بالنسبة إلى أهل الداخل السوري، فإن وصول أي مبلغ مالي هذه اﻷيام يُعتبر بمثابة معجزة بعد أن سدّت الحكومة مختلف الطرق التي كانت تعبرها اﻷموال إلى من هم بحاجة إليها فعلاً بعيداً عن السعر الرسمي الذي يلتهم أكثر من 60% من قيمة أية حوالة مالية خارجية.
وبعد صدور قوانين تفرض عقوبات شديدة على المتعاملين بغير الليرة السورية، فإن مزيداً من العائلات السورية أضحى فريسةً حقيقيةً للجوع، وهو ما رفضه بعض الأشخاص بالقول بأن لا أحد يموت من الجوع، لكن هذا الكلام اﻹنشائي يقابله ارتفاع كبير في عدد طلبات المساعدة التي تلقّتها صفحة المبادرة على منصة «فايسبوك» وقد بلغت آلافاً.
بالمقابل، وفي ظل الانقسام المستمر بين السوريين، فإن المبادرة أثارت عدداً من اﻷسئلة لدى الراغبين بالانضمام إلى الفكرة ضمن منطوق الاصطفاف السياسي (موالاة ومعارضة)، إلا أن المبادرة مع إصرار عدد من السوريين تجاوزت هذا «المطبّ الدائم» في طريق علاقات بعض السوريين ببعضهم. أحد المشاركين في المبادرة، رأى في حديثه إلى «الأخبار» أن تغييب السياسة في هذا الظرف، حتى بعيداً عن «قانون قيصر»، أمر ضروري ومهم «فمن يأكل العصي ليس كمن يعدّها».