بيدٍ تمرّر الجلد أسفل إبرة الخياطة التي ثُبتت على طاولة مسطحة، يجلس حسون المصطفى، فوق كرسي خشبي متهالك، اعتاد عليه منذ زمن. أربعة عقود مضت على عمل المصطفى كصانع للأحذية، والتي تسمّى محلياً «الكلاش الديري».حوّل أبو محمد، مرآب منزله إلى محلّ يزاول فيه مهنته وباب رزق يقتات منه، وذلك بعدما دُمّر محلّه الكائن في حي الجبيلة في دير الزور، خلال فترة سيطرة الفصائل المسلّحة على المنطقة منتصف عام 2012.
«ورثتُ المهنة أباً عن جد»، يقول المصطفى، الذي تعلّم المهنة من والده «شيخ الكار» قبل وفاته. يستحضر ما قاله له أحد الزبائن: «خير خلف لخير سلف»، قبل أن يشير إلى أن زبائنه يقلّون تدريجياً، وباتت أغلبُ أعماله طلبات يقدّمها أهالي الفرات هدايا لأصدقائهم وأقاربهم في الخارج.
يلفت المصطفى إلى أن مهنة صناعة «الكلاش الديري» أوسع من مهنة صناعة الأحذية. يصمت لثوان، منهياً الفردة الأولى من الحذاء ويكمل: «بل هي جزء من التراث الديري... ومهمتي باتت المحافظة عليها من الاندثار».
«سرّ المهنة يكمن في كونها يدوية مئة في المئة باستثناء خياطة الجلد على القالب باستخدام آلة الخياطة التقليدية... إضافة إلى إتقان العمل من قبل صانعيه، الذي يضاهي بجودته الأحذية الجاهزة» يقول المصطفى. ويستذكر «أيام العزّ، ما قبل الحرب» حين كان يعجّ محلّهُ بالعمال والزبائن؛ وكان ينجز ما لا يقل عن 200 زوج كل يوم، فيما ينهي اليوم 30 زوجاً من الأحذية فقط.
خصّص الرجل كل زاوية من محله، لتجهيز جزء معين من الحذاء، معلقاً على الحائط المحاذي لمكان جلوسه جزءاً من الأحذية الجاهزة وبأنواعها المختلفة. يشرح المصطفى لنا عن نوعَيه «الحجازي والهجاني»، والأول هو الأكثر انتعالاً في أرض الفرات ويُصنع كلاهما من جلد البقر أو الغنم. في زاوية خاصة يرسم شكل الحذاء ثم يطبّق الرسم على القوالب التي حفظها عن ظهر قلب وبلا قياس، ويرجع المصطفى ذلك إلى الخبرة الطويلة.
يختلط حديث الرجل الخمسيني مع صوت الطرق ورائحة الجلد التي ما عادت موجودة في الأحذية الجاهزة. ينهي حديثه مع «الأخبار» بقوله: «حتى صناعة الكلاش الديري تأثرت بالجائحة الاقتصادية... نبيع الكلاش اليوم بثمن 3500 ليرة، فيما كنا نبيعه قبل الحرب بـ150 ليرة».