تقنين إلى ما شاءت الحكومة؟

  • 0
  • ض
  • ض

يعتبر التقنين الاقتصادي (الفردي والمجتمعي) حلاً مقبولاً لبعض الأزمات، شريطة أن يكون مؤقتاً ذا أهداف اقتصادية واضحة، كأن يقنّن الفرد من إنفاقه على الملابس والنزهات مثلاً، مقابل أن يسدد مديونية واجبة السداد في وقت محدد؛ فيخفض نفقاته ويحاول زيادة وارداته إلى الحد الأعلى. على النحو نفسه، قد يكون «التقنين الحكومي» ناجعاً إن كان لمدة محددة ولهدف واضح مُعلن أمام الشارع. الهدف يختلف طبعاً عن السبب، فالمبررات حاضرة دائماً لسرد الأسباب، لكن أحداً لا يفكر في أن يخاطب الشارع بلغة تحترمه، وتشرح له: من أجل ماذا نقنّن، وإلى متى؟ لا تبدو «هندسة» التقنين على أساس «الحصص» أسلوباً ناجحاً. المشكلة أكبر من ذلك، هي في الموارد وسوء توزيعها. تخفيض ساعات التغذية الكهربائية لمناطق معينة لن يحل الأزمة جذريّاً. زيادة المحطات بتواتر بطيء لا يوازي التزايد أو تغير التموضع السكاني ليست حلاً أيضاً. الحلول في البدائل، التي يمكنها ــــ إذا ما نجح تسويقها ــــ اصطياد عصفورين: تغيير الموارد، وتغيير وعي استخدام الموارد بما يضمن التوزيع الذاتي حسب الحاجة. الطاقة الشمسية قد تكون حلاً لمشكلة الكهرباء، صحيح أنها ستحرم الشركة العامة للكهرباء من جباية فواتير عالية، لكن يمكنها تعويض هذا الفاقد بأن تبيع مولدات الطاقة الشمسية بنفسها، هذا مجرّد مثال لإيصال الفكرة وليس محور المقال. تجار الحرب، انتقلوا الآن إلى المتاجرة بالخوف. لقد بدأوا باحتكار أي شيء قد يستخدم للوقاية أو معالجة أي طارئ، كالكمامات الطبية مثلاً. تضاعف سعر الكمامة فجأة، عشرة أضعاف، وبنوعية عادية لا تقي بحق من شيء، فهل سيكون الحل تقنين الكمامات مثلاً وتوزيعها بطريقة الحصص؟! الحل في البدائل دائماً. زيادة نوعية الموارد ستغير حال نوعية التقنين. الأمثلة كثيرة، ففرض ضريبة على اقتناء التلفاز كما في ألمانيا مثلاً، هو أجدى من فرض ضريبة على عربة العتال. الضرائب هي تقنين غير مباشر، يفرض على سلعة ما، سواء لضبط استهلاكها واستخدامها؛ أو لتحقيق موارد منها. نوعية التقنين تختلف حسب هذا المثال بين الرفاهيات والأساسيات، وبين الاستهلاك (التلفاز) وضريبة على أداة منتجة للدخل (عربة العتال). إذاً، فالضرائب أيضاً تحتاج إلى «تقنين» ذي نوعية عالية. الضرائب على أدوات الإنتاج، أو الرسوم على بدء الأعمال، تعتبر نوعية رديئة من أنواع الجباية، أما النوعية الجيدة فتلك التي ينبغي فرضها على أرباح كبار التجار، بدل إعفائهم بحجة «تشجيع الاستثمار». معيار الجودة الضريبية يستند إلى جودة الوعاء الضريبي، وليس إلى انتشار الفرض الضريبي بين جميع الشرائح. النوعية تسابق الكمية في كل الأزمنة؛ وتوجيه التقنين إلى الأمور التي تستحق تقنيناً لأهداف واضحة ولوقت محدد، ستنجح أكثر من مواصلة نشر سياسة التقنين على أوسع نطاق، مع مطاولته للأساسيات، إلى ما شاء الله، أو ما شاءت الحكومة.

0 تعليق

التعليقات