تشير التقديرات إلى وجود نحو 1500 درّاجة ثلاثية العجلات، في مناطق ريف دير الزور الواقعة إلى الشرق من نهر الفرات. استعادت هذه الدراجات «عصرها الذهبي» في ظل الحرب، وعادت إلى الخدمة بقوة، نتيجة قلة استهلاكها الوقود؛ إذ لا تزيد سعة خزانها على 10 ليترات، فضلاً عن قوة تحملها وقلة أعطالها، وانخفاض كلفة صيانتها.
قارب نجاة!
حين اضطر أحمد الموسى، إلى الهروب من عمليات القصف الأميركي لبلدة هجين (ريف دير الزور الجنوبي الشرقي) في أواخر عام 2018، لم يجد سوى دراجته الثلاثية العجلات، وسيلة للهرب بأسرته التي لم تحمل من المنزل حينذاك، سوى بعض الأغطية. يقول الموسى لـ«الأخبار»، إن مروره وعائلته عبر الحواجز الأمنية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، كان أسهل من بقية الآليات. ويشرح أن «تفتيش الدراجة كان يتم سريعاً، لصغر حجمها وإمكانية الكشف السريع على كامل أجزائها خلال دقائق».
يؤكد الرجل أن لدراجته الفضل في نجاته وأسرته من الموت بالنيران الأميركية التي طاولت الجزء الأكبر من هجين، قبل أن تدخلها «قسد»، في أوائل العام الماضي. لم تتوقف أفضال «طرطيرة» الموسى، فخلال رحلة نزوحه كانت عاملاً مساعداً في بناء «خيمة صغيرة»، حمته وأسرته أياماً من الظروف المناخية القاسية التي سادت المنطقة وقتها. لاحقاً، تمكن الرجل وأسرته، من العودة إلى المنزل شبه المدمر، وكانت الدراجة حاضرة لنقل ما يلزم من مواد البناء، لترميم المنزل القريب من «المشفى الوطني»، وإعادة تأهيله للسكن. يقول: «ساعدتني الدراجة في ترميم منزلي، وفي نقل مواد لترميم منازل الجيران القريبين مني، ما حقّق لي دخلاً معقولاً في بداية رحلة العودة إلى البلدة». ويضيف: «دُمرت السيارة الصغيرة التي كنت أمتلكها خلال عمليات القصف، الدراجة الآن هي الآلية الأكثر مثالية بالنسبة إلي، لتأمين احتياجات الأرض الزراعية التي أمتلكها، ونقل ما يلزم للمنزل من ضروريات».

«محالّ تجارية» متنقلة
يؤكد أحمد العلي، من أبناء منطقة غرانيج، في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، أن دراجته كانت وسيلة نقل آمنة بالنسبة إليه خلال سنوات الحرب، خاصة بعد خروج تنظيم «داعش» من المنطقة، والتشديد الأمني من قبل حواجز «قسد»، بسبب تفخيخ السيارات والدراجات النارية. يقول العلي لـ«الأخبار»، إن استخدام «الطرطيرة» في عمله القائم على نقل المواد الغذائية من متاجر البيع بالجملة إلى المحال الصغيرة، يحقق له ربحاً معقولاً، يساعده على مواجهة ظروف الحياة المتقلبة في المنطقة الشرقية.
تساعد على تجاوز الطرقات الزراعية بسهولة أكثر من أي آلية أخرى


أما أبو مازن، فيشير إلى أن دراجته تحولت إلى «دكان متنقل»، لبيع الخضار والفواكه بين أحياء هجين، بدلاً من العربة التقليدية التي كان يدفعها أمامه لبيع بضاعته. كما ساعدته الدراجة في توفير أجرة نقل الخضار من التجار إلى مكان عمله، ما زاد من هامش ربحه. يرى أبو مازن أن «الطريزينة» ثروة بالنسبة إليه، ولا يمكن أن يتخلى عنها أياً تكن المغريات أو الأسباب، فهي «لا تحتاج إلى الكثير من المصاريف على مستوى الصيانة واستهلاك المحروقات. خاصة أن نوعية البنزين، المتوافرة في ريف دير الزور الشرقي، سيئة للغاية، وتتسبب بأعطال مستمرة في الآليات التي تستخدمها». بدوره، يعد جاسم العلي، «الطرطيرة» واحدة من ممتلكاته الثمينة. يمتهن الرجل بيع الأسماك، التي يصطادها من نهر الفرات. يحمل الصيد بواسطة الدراجة، لينتقل سريعاً إلى «سوق المواشي» في بلدة أبو حمام، ويبيعه طازجاً، من دون أن يتعرض للتلف بسبب الظروف المناخية القاسية. «السمك خصوصاً، واللحوم عموماً، من المواد السريعة العطب، ويجب أن يتم تصريفها بسرعة كبيرة»، يقول الرجل.

«كازيات»... وورش إنقاذ!
يعمل أبو يوسف، في مجال بيع المحروقات المكررة بشكل بدائي، مستخدماً دراجته الثلاثية العجلات، ليعرض البضاعة على الطرقات العامة بين بلدة شحيل وبقية مناطق ريف دير الزور. يشتري الرجل بضاعته من أصحاب «الحراقات»، ثم يقف على الطرقات العامة، ويقوم ببيعها للسيارات العابرة للمنطقة. يرى أبو يوسف أن مهنته هذه «ستظل مهنة أساسية، حتى في مرحلة ما بعد الحرب وعودة الاستقرار إلى المنطقة، إذ يمكن الحصول على المحروقات من محطات الوقود لبيعها للمقطوعين، على الطرقات». ويجد خليل المصطفى، في الدراجة وسيلة بسيطة وغير مكلفة، لتكون «ورشة متنقلة»، يعمل من خلالها على صيانة محركات ضخّ المياه في الأراضي الزراعية، وتصليح الآليات الزراعية المتعطلة. يقول: «الطرطيرة قادرة على سلوك أي طريق، وهي خفيفة الوزن بما يساعد على تجاوز الطرقات الزراعية بسهولة أكثر من أي آلية أخرى، ويمكن تخليصها في حال علقت في بركة طينية بسهولة أيضاً». ويضيف: «قبل الحرب كنا قد أهملنا هذه الدراجات، وصرنا نعتمد على السيارات الصغيرة، لكونها أسرع ولا تصدر ضجيجاً، إلا أن الحرب فرضت عودة هذه الدراجات على الجميع، خاصة أن أسعارها رخيصة جداً مقارنة بالسيارات».