لم يرث المهنة التي بدأ العمل بها قبل أكثر من 70 عاماً عن والده، أو جده. المرة الأولى التي تعرف فيها على هذه «المصلحة»،كانت في سنته السادسة. وقتذاك، اصطحبه أخوه معه لتعلمها في السوق، ليدخل عالم تصليح الأحذية صناعتها، وتكون نقطة انطلاق المشوار المهني لأحمد طعمة، المستمر حتى اليوم، والذي يراه الناس ناجحاً لأنه أحبّ مهنته.الإسكافي الثمانيني أبو علي، الذي يقصده زبائنه من مناطق دمشقية عديدة، يجد أن امتلاك مفاتيح هذه المهنة بحاجة إلى الإصرار، والصبر، وكثير من التعب، وخاصة في السنين الخوالي، عندما كانت مهمة الحذّاء تفصيل الأحذية (التواصي)، لا تصليحها فقط.
يتحدث طعمة عن تلك المرحلة، ويخبرنا أنه وأخاه كانا يفصلان الأحذية بواسطة قوالب خشبية، يُشدّ عليها الجلد، ويُخاط بالنعل المقصوص، وذلك للزبائن أصحاب الملاءة المالية، القادرين على دفع ثمن حذاء 15 ليرة سورية. يقول «أما اليوم لم يعد أحد يعتمد على التفصيل، بل أصبح الكثيرون يصلحون الحذاء أكثر من مرة، بسبب الأوضاع المادية السيئة للأغلبية».
يحفظ العم طعمة (مواليد 1937) تواريخ حياته المفصلية عن ظهر قلب؛ ففي عام 1950 افتتح أخوه المحل في المزة ــ شيخ سعد في العاصمة دمشق، وكان في تلك الفترة يعمل ويدرس في آن واحد، حتى حصل على الشهادة الابتدائية عام 1954. وفي عام 1985 اشترى ماكينة جديدة، يعمل عليها حتى اليوم بنظام عمل ثابت: من الساعة التاسعة صباحاً حتى السابعة مساءً، يومياً ما عدا يوم الجمعة. «هذا عمل إن لم يعد يُغني، فهو يستر على الأقل» يقول.
يرى أبو علي أن هذه المهنة «لا تندثر»، فالحاجة إليها مستمرة، وخاصة مع وجود من يقدمها بأسعار رمزية. يقول «أن تدفع 100 أو 200 ليرة سورية لتنتعل حذاءك من جديد، أفضل من دفع 5000 ليرة ــ على الأقل ــ لشراء حذاء بنوعية سيئة، سيحتاج إلى تصليح بعد أشهر».
رغم دخول آلات متطورة إلى عمل تصليح الأحذية، فإن النتائج التي تعطيها الماكينة اليدوية في بعض الحالات، لا تجدها في الآلة الكهربائية. ومع ذلك، أدخل طعمة الآلة الكهربائية إلى محله، وتعلم ابنه علي العمل عليها، ليرث مهنة والده، رغم انتقاد شباب جيله له. يقول الشاب «سأستمر في هذه المصلحة، ليس فقط لأنني ورثتها من أبي، بل لأنني أحببتها وأبدعت فيها، ولا أمانع تعليمها لأولادي في المستقبل».