لا يُمكن أيّ زائر لدمشق ألا يخصّ سوق «الحميدية» بجزء من رحلته، حتى ولو كانت الزيارة قصيرة. ولا تكتمل أركان زيارة «الحميدية» من دون التعريج على سوق «البزورية»، لتناول واحدة من قطع «الراحة» المزيّنة بالورد المجفّف، الذي يجعلها تبدو كعروس طرّزت لباسها باللونين الوردي والأحمر القاني. «تفضلوا، التذوّق ببلاش. تفضلي هالقطعة وادعيلنا... تفضل يا حباب...». تعلو هذه الاصوات من داخل بوّابات المحال المنتشرة على جانبي «البزورية»، ترافقها أيادٍ ممدودة، تمسك قطع «الراحة» التي لا يمكن مقاومتها، شكلاً وطعماً ورائحةً. الوردة التي تزيّن أسواق دمشق القديمة وتنافس طعم راحتها، أصبحت اليوم، رسمياً، مُدرجة على قوائم «منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم/ يونيسكو»، وذلك بعد الاجتماع السنوي الذي عقد في العاصمة الكولومبية بوغوتا في الأسبوع الماضي، إذ سجّلت الوردة الشامية بوصفها أحد العناصر التراثية الثقافية السورية، على القائمة التمثيلية للتراث الإنساني، غير المادي.تمتازُ الوردة الدمشقية، التي تُزرع بشكل رئيسي في بلدة المراح بريف دمشق، بعمرها الممتدّ آلاف السنين، وأمست مراحل زراعتها وقطفها والاعتناء بها، بمثابة طقوس تتناوب عليها الأجيال. كما وصلت شهرتها إلى كل أنحاء العالم، بعد أن دخلت في مكوّنات أفخر العطور العالمية، إضافة إلى فوائدها الطبيّة للجلد والبشرة، إذ تُشرب مع ماء الورد، وتؤكل مع الحلويات الشرقية. ونجت الوردة الشامية من تبعات الحرب السورية بعد أن عانت من سنوات متتالية من الإهمال، من جرّاء ترك المزارعين لأراضيهم في منطقة القلمون، التي شهدت معارك عسكرية واسعة، قبل أن تنتعش أزرارها مُجدداً، وتعود لتأخذ المكان الذي تستحقه على القوائم الأممية، وفي قلوب السوريين.