يجلس محمد خير الفندي، إلى جانب حقيبة جلدية باهتة اللون، ومن حوله كومة من الرسائل والبطاقات البريدية. حملت الحقيبة ما حملته من رسائل على مرّ ثلاثة عقود ونيف من عمل الرجل الخمسيني، ساعي البريد في مؤسسة البريد، في منطقة الحجاز وسط العاصمة السورية دمشق.يعود الرجل بذاكرته إلى بداية عمله، ويروي لـ«الأخبار» بعض التفاصيل. يقول «عُيّنت في البريد سنة 1984من خلال مسابقة تقدمت إليها. سابقاً، كان هناك الكثير من الرسائل وكنا نعاني من ضغط العمل، بس كنا مبسوطين». يصمت للحظات ويضيف «قلّت الرسائل اليوم، بسبب الاعتماد على الرسائل الإلكترونية. لكنّ قصاصات الظروف المهترئة، والأوراق التي مضى عليها الدهر، تترك أثراً لا يزول بزر الحذف الإلكتروني». يؤكد الفندي أنه ما زال حتى اليوم يستهل نهاراته بالاستماع إلى أغنية «يا مرسال المراسيل» لفيروز، ويقول «ربما كان لهذه الأغنية دور كبير في تشجيعي للعمل ساعي بريد».
اعتاد الفندي قراءة عيون كل أصحاب المكاتيب والطرود، وكان يتمنى خلال عمله ألا يحمل سوى الأخبار الجيدة لمتسلّمي الرسائل. «لا شيء يوحي بأن البريد سيودّع عالمنا، بل على العكس، سيزداد عمله بفضل التجارة الإلكترونية، إذ إنها تحتاج سُعاة يوزّعون الطرود»، يقول الفندي. يختم حديثه قائلاً «لا تزال رسائل الشوق والحب تحتفظ ببريقها، ذاك البريق لا يفسده الزمن. هي رسائل الحياة إلينا».