«سعر الصرف» والثغرات الأربع: ليست كيميا!

  • 0
  • ض
  • ض

تقوم أسعار الصرف، في أي اقتصاد، على توازن بين الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات التضخم في البلاد. الاقتصاد في أي دولة لا يمكن أن يكون محكوماً ببعض المضاربين، أو بعض تجار الحرب الذين يودّون تحويل أموالهم إلى عملات مختلفة. يُبنى سعر الصرف على مستوى معيشة الناس، وبعد أن يتم إصلاح الثغرات الكبرى في الاقتصاد. من بين أهم تلك الثغرات في الحالة السورية، يبرز ملف «جذب الاستثمار»، وهذا أمرٌ معوّل عليه لإعادة بناء اقتصاد ينتقل من «اقتصاد حربي» إلى «اقتصاد إعادة الإعمار». ثمة حاجة شديدة الإلحاح إلى خلق عوامل أمان، توفر المناخ النفسي الملائم لجذب الاستثمارات، وتلغي احتمال مصادرة أموال المستثمرين إلا وفق تحكيم دولي. يأتي بدرجة الإلحاح نفسها، موضوع رفع الحد الأدنى من الأجور في القطاع الخاص. فكيف أجذب استثمارات بالمليارات، وأظن أن بعض القروش المدفوعة لأصحاب الخبرات السورية ستكون كافية لإنجاح هذا الجذب؟ أما الحاجة الأشد إلحاحاً، فتتمثل في وجوب رفع مستوى معيشة المواطنين، على اعتبارهم زبائن أي استثمار نودّ جذبه. إن أول ما يهم المستثمر هو «مؤشر الاستهلاك» لدى مواطني الدولة التي يريد الاستثمار فيها؛ فهؤلاء هم زبائنه، وإن كانوا بأغلبيتهم يعانون فقراً، فلا مصلحة له في هذا الاستثمار. الثغرة الثانية هي ثغرة خلل الميزان التجاري، ما بين الاستيراد والتصدير. من المستغرب فصل إدارة الاستيراد عن إدارة التصدير، فبهذا الفصل تصبح «الإدارة الاقتصادية» أقل قدرة على معرفة ما ينقص البلاد فعلياً ليتم استيراده، وما هو الفائض عن حاجة السوق المحلية ليتم تصديره. ثمة جنوح خاطئ اليوم نحو إبرام صفقات تصدير غير مدروسة لبعض المواد، رغم حاجة السوق المحلية إليها، رغبة في جمع احتياطي من القطع الأجنبي، سيهدر تالياً لصالح تجار «السوق السوداء» في عمليات المضاربة. يلي ذلك، كالعادة، نقص في المواد التي تم تصديرها، فارتفاع سعرها محلياً وفق «قانون الندرة»، وقد يصل الأمر حدّ فقدان بعض المواد، ليسارع المستوردون إلى استيرادها من أسواق مختلفة. هذا هدر حقيقي للاحتياطي المركزي، الذي يُعدّ عالمياً مؤشراً على أحوال اقتصاد الدول، وفق معايير شركات التصنيف الائتماني. يُعدّ «دعم التصدير»، الحامل الرابع للاقتصاد (بعد تحسين المعيشة، ورفع مستوى الاستثمار المحلي، وتوازن الاحتياطي). لكن الاقتصاد السوري يعاني اليوم من هزال لافت على هذا الصعيد، لأسباب عديدة، من بينها اعتماد المصدرين على استقبال أثمان البضائع في بيروت، بعد أن تم حرمان شركات الصرافة السورية من أرباح التحويلات، نتيجة الوضع المزري لسعر «دولار الحوالات» مقارنة بسعر السوق السوداء. ورغم وصفه بـ«السعر الوهمي»، فإن هناك توجيهاً لشركات الصرافة المرخصة ببيع المواطنين دولارات يحتاجون إليها، وبسعر يدور في نطاق «سعر الدولار الأسود» قابل للتغيير مرات عديدة يومياً. لا ندري كيف يمكن لسياسة نقدية أن تسن بيعاً بسعر 610، وشراءً لدولار الحوالة بـ435 ليرة! بطبيعة الحال، يلجأ المواطنون إلى السوق السوداء لحفظ قيمة أموالهم الواردة بفارق يحقق بمجمله مليارات الليرات يومياً. دخول العملات الصعبة بهذه الطرق، وتصريفها، ثم إعادة شرائها من قبل تجار الاستيراد الذين رفض «البنك المركزي» تمويلهم فلجأوا إلى السوق السوداء؛ حتماً هذه السلسلة العبثية ستسهم جوهرياً في تقلب «سعر الصرف». الثغرات المذكورة أعلاه تمثل مصادر القطع الأجنبي الوحيدة اليوم. خاصة عقب تصريح «رئاسة الوزراء» عن «إنفاق الاحتياطي»، الذي جاء أشبه بـ«إعلان إفلاس». ليس إعلان إفلاسٍ مالي للدولة طبعاً، بل «إفلاس حكومي» لجهة إيجاد الحلول. وهو إفلاس لا يمكن أن تُعزى أسبابه إلا إلى استبعاد المتخصصين، وانتشار الفساد إلى درجات ومستويات تاريخية. لم يسبق للتاريخ السوري أن شهد مرحلة استسلام اقتصادي أمام أي أزمة، وخلو الجعبة من الحلول، كما يحدث اليوم. «شكراً» لكم، «يعطيكم العافية»!

0 تعليق

التعليقات