يحفظُ عبد الرّحمن العبّود، ابن محافظة درعا، عشرات الحكايات، ويقصها بأسلوب تشويقي خاص، قادر على أسر قلوب المستمعين. استعجل «رائد الحكاية الصغير» المجيء إلى الحياة عام 2010، حين ولدته أمّه المريضة في الشهر السّابع من الحمل. واجه خلال الولادة «نقص أكسجة دماغية»، أسهمت في تلف بعض خلايا الدماغ، وهو أمر اكتشفته العائلة بعد شهور من ولادته، إثر ملاحظة أعراض ليست معهودة عند أقرانه، مثل البكاء والعصبية الشديدين، والمترافقين ــ أحياناً ــ بغيابه عن الوعي للحظات. في عام 2011 شخّص الأطباء في دمشق حالته بـ«شلل دماغي» أو «شلل أطراف سفلية دماغي المنشأ». خطا العبود أولى خطواته متأخراً، على رؤوس أصابعه وبنحو غير متوازن، ما أجبره على ارتداء حذاء خاص وجهاز طبي مساعد. وبالتوازي، بدأت رحلة العلاج الفيزيائي والأدوية. أثّر المرض في نظره، فعانى من مدّ بصر بمقدار خمس درجات، وتشنّج في اليدين والقدمين، وأثر أيضاً في توازن الحركة. في الوقت نفسه، لوحظت لدى الطفل درجة عالية من الذكاء، وذاكرة تصويرية قوية، تمكّنه من أن يتذكر مشهداً أو شخصاً ما، بكامل تفاصيله، والأشياء التي تحيط به، بدقة تامّة.غادر عبد الرحمن وعائلته مسقط رأسه (قرية النعيمة، ريف درعا) للعيش في المدينة، نتيجة تردّي الأوضاع الأمنية. يروي الوالد خالد العبود (أبو عمار ــ مدرس للغة الإنكليزية، ومدرب كرة قدم سابق ــ 50 عاماً) لـ«الأخبار» كيف عايش أصعب 20 دقيقة في حياته، عندما واجه أول عملية اختلاج لابنه عبد الرحمن، في صفه المدرسي الثاني، وقد فقد الطفل خلالها قدرته على النطق لفترة مؤقتة.
شارك عبد الرحمن، منذ الصف الثاني، في مسابقة «الرّواد» للحكواتيين، ونال المركز الأول على مستوى محافظة درعا. وفي الصف الثالث (هذا العام)، اقتنص المركز ذاته أيضاً. للعبّود إسهامات كثيرة في حفلات المدرسة، كانت آخرها في «المركز الثقافي العربي بدرعا» في احتفالات «يوم الطفل العالمي» للعام الحالي. ينتمي عبد الرحمن إلى عائلة متفوقة، ويرى والداه أن للحرب آثاراً إيجابية، فـ«الظروف القاسية أجبرتنا على البقاء داخل المنزل لفترات طويلة، حاولنا استغلالها في متابعة شؤون أولادنا المعرفية والعلمية». في أواخر نيسان الماضي، أجريت لعبد الرحمن ثماني عمليات جراحية في قدميه، بغية إطالة أوتار الركبة، ونقل أوتار القدم، بما يحول دون التفافها إلى الداخل أثناء المشي. تكلّلت العملية بالنجاح، وصار الطفل يمشي على كامل قدمه، دون الاستعانة بالجهاز الطبي. لا تزال خطوات الطفل غير متوازنة حتى اليوم، ومن الممكن «أن نصل بإرادته، وبمساعدة العلاج الفيزيائي، إلى مشية طبيعية، رغم أنها تحتاج سنوات من المتابعة، وأي تقاعس قد يعني تراجع الحالة» كما يؤكد والده، أبو عمار. يعبّر عبد الرحمن عن سعادته لعودته هذا العام، بعد سنوات من الغياب، إلى منزله، نتيجة استقرار الأوضاع الأمنية في القرية. يبدي الوالد، أبو عمار، تصالحاً مع الحياة. يقول ضاحكاً: «الوضع المادي ضعيف جداً، لكننا متأقلمون. مدينون كثيراً، لكن الحمد لله». ويضيف: «كرّست حياتي كلها من أجل أبنائي، ولا أريد شيئاً من هذه الدنيا سوى مستقبلهم». في معرض حديثه، يخبرنا عبد الرحمن بأنّ أكثر قصة يحبها هي «الدب الكسول»، ويختم كلامه بالقول: «حلمي أن أصبح مشهوراً، وطبيباً أعالج الناس».