تكتيكات «باب الحارة» لمواجهة «الحرب الاقتصاديّة»!

  • 0
  • ض
  • ض

لم يكن مبلغ الـ811 مليار ليرة، المخصّص في موازنة العام الجاري لـ«مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار» بنداً صادماً من حيث الرقم، فقد اعتدنا في السنوات الأخيرة قراءة الأرقام المليارية. لكن إدراج بند بهذه الضخامة، وبكتلة تساوي مجمل «الدعم الاجتماعي» في الموازنة نفسها، كان يقتضي إعلان الخطة المرسومة لمعالجة التضخم، والبدء بتنفيذها، كي نفهم أين ستذهب المليارات. ثمة وصفة يتفق عليها معظم اقتصاديي العالم لعلاج التضخّم، وتقوم على جملة إجراءات، أهمها تنشيط الصناعة ودعمها إلى الحدود القصوى، وتقليل المستوردات وقصرها على الأمور البالغة الأهمية فقط، إضافة إلى مضاعفة الجهود الرقابية على الأسواق والأسعار، ودعم شركات القطاع العام الإنتاجية، لا سيما التي تُنتج سلعاً يحتاج إليها السوق. لكنّ هذه الوصفة تبدو أقلّ من أن تُثير اهتمام الفريق الحكومي. ها هي الوزارة المعنيّة بـ«حماية المستهلك»، تجترح حلّاً إعجازيّاً، هو دعوة التجار إلى تحكيم «النخوة والضمير الديني» على أبواب «الشهر الكريم»، والتعهد بعدم رفع الأسعار! (هذه تكتيكات مضمونة النجاح، تستلهم اقتصاديّات مسلسلات البيئة الشاميّة. هل يُنكر أحدٌ دور «شوارب محمود» في حل ضائقته الماديّة في مسلسل «أيام شاميّة»؟). مع ذلك، استيقظ السوريون صبيحة أول يوم رمضاني على تصريح لأحد مسؤولي «غرفة التجارة»، يربط أي ارتفاع محتمل لأسعار السلع بارتفاع سعر البنزين. (حجّة جديدة «خلنج»، وتغيير لأسطوانة سعر الدولار). وبالفعل، ارتفعت أسعار كثير من السلع في الأسبوع الأول من رمضان. (يا باطل! نرجو ألا تكون الوزارة قد غفلت عن إهداء التجار أشرطة مسجّلة لشارة مسلسل «باب الحارة» تتكرر فيها جملة: اللي بيحلف يمين كاذب يا ويلو من الله!). طيب، هل سيشرح أحد لنا لماذا خُصّص بند في الموازنة لتثبيت الأسعار، ما دامت استراتيجية التثبيت ستعتمد على «النخوة»؟ أين الـ811 ملياراً وعلى ماذا أُنفقت أو ستُنفق؟ هل تعلمون أن تلك المليارات تكفي لزيادة كتلة الرواتب البالغة 482 مليار ليرة، بنسبة 200%؟! أو تكفي لزيادة «الدعم الاجتماعي» بمقدار 100%، بدلاً من تحجيمه كما يحدث؟ إن السوريين اليوم لا يخافون «الحصار الاقتصادي» بحد ذاته، فقد سبق أن جرّبوه في ثمانينيات القرن الماضي، وقطفوا ثماراً شديدة الفائدة من «الترشيد الحكيم» والتوجه الحقيقي للإنماء الاقتصادي الداخلي. لكن المواطن اليوم بدأ يشعر بالهلع فعلاً مع أي إشاعة أو خبر عن فقدان تلك المادة، أو ارتفاع سعرها، والسبب طبعاً ما قطفه الشارع من غُصصٍ سبّبتها الثمار المُرّة لـ«السياسات الاقتصاديّة» في السنوات الأخيرة. قد تشتد العقوبات الظالمة قريباً، والخوف، كل الخوف، من أن يخوضها الشارع وحده، بلا أي «جيش اقتصادي»، خلافاً لما هي الحال في الحرب العسكريّة.

0 تعليق

التعليقات