تُخصص كثير من الدول دعماً لـ«النفطيات» التي تشكل قطاعاً حسّاساً، وشديد التّأثير في سلسلة الأسعار، إلى حدّ يمكن معه أن تخلّف مجرّد إشاعة حول رفع الدعم عن هذا القطاع استعاراً للأسعار، قد يصل التضخم فيه أحياناً إلى 1000 في المئة! وتتالت أخيراً في سوريا إشاعات كثيرة عن قطاع الوقود في مرحلة «ما بعد البطاقة الذكية»، وحصر الدعم بكميات محدودة، في ظلّ تعتيم غريب من الوزارة المعنيّة، وتناقض أغرب في كلام المسؤولين الحكوميين. وصلت الإشاعات إلى حدّ الحديث عن «تحرير سعر البنزين»، وارتفاعٍ مرتقب لسعر الليتر الواحد منه إلى ضعف السعر الحالي، ما يؤهل البنزين السوري ليصل إلى نهائيات الأسعار العالمية! يمكن خطوةً كهذه أن تنطوي على شيء من «الإيجابيات»، فيما لو رُبِطَت بتحويل الدعم إلى نقود تتسلمها العائلات التي لا تمتلك سيّارة (وهي كثيرة) أو عائلات «الفقر الأسود». لكن هذا الأمر لا يبدو وارداً في حسابات الحكومة، إذ لا بوادر لإجراء الإحصاءات اللازمة لحصر العائلات الفقيرة، وحجم مداخيلها، تمهيداً لمعرفة مستحقي الدعم الحقيقيين (إحصاء كهذا يحتاج لإنجازه بدقة عملاً طويلاً قد يستغرق سنوات). أمام هذا الواقع لا يبدو معلوماً إلى أين ستذهب الوفورات الناجمة عن إلغاء الدّعم (أو خفضه في أحسن الأحوال)، وهذا ليس غريباً في ظل خلوّ القواميس الحكومية من مفردة «الشفافية» ولا حتى بوصفها شعاراً لا يُطبّق! ثمّة «مكسب» آخر قد تضمن الإجراءات المتوقّعة تحصيله، وهو الحد من تهريب البنزين، هذا طبعاً بفرض أن تهريب البنزين مستمرّ، وهو أمر مستبعد في ظل انخفاض كمياته بسبب العقوبات. أما النتائج السلبيّة المتوقعة، فكثيرة، ومحتّمة! يأتي على رأسها ارتفاع أسعار البنزين «الحر» (غير المدعوم) مع تخفيض كمية المخصصات للجميع، ما سيؤدي مباشرة إلى ارتفاع أجور التنقل والنقل بنسبة لا يتوقّع أن تقلّ عن 50%. يلي ذلك ارتفاع شبه مؤكد لأسعار معظم (إن لم نقل كل) البضائع بنسبة 25% على الأقل. مجموع الارتفاعَين يعني تقليص قيمة دخل الأسرة الواحدة بنسبة قد تصل إلى 75%! الأنكى، أنّ إجراءات البنزين إذا ما طُبّقت، تبدو مرشّحة لتكون فاتحةً لسلسلة لا منتهية من «تحرير الأسعار». صحيح أننا نسمع باستمرار نفياً متكرّراً لتوجّهات من هذا النوع، لكن سبق أن سمعنا تأكيدات مشابهة مفادها أن «لا مساس بالدّعم الاجتماعي» وها هو قد بات منتهكاً، بفعل جملة قرارات بنكهة «صندوق النقد الدولي» (عدو الدعم الاجتماعي). الحجة الجاهزة طبعاً هي «وصول الدعم إلى مستحقيه»، فيما لم يسبق لدولة أن استطاعت أن توصل الدعم إلى مستحقيه حصراً وبشكل مؤكّد، وأيّاً تكن إجراءاتها.
الآن، وريثما نرى ما «الضحية التالية» من ضحايا تقنين الدعم، لن يكون أمامنا سوى الأمل بتجيير الوفورات الموعودة لمصلحةٍ وطنيّة ما: سداد ديون، أو زيادة رواتب، أو بناء محطة كهرباء حكومية مثلاً، أو إصلاح مصفاة نفط، أو حتى إصلاح طريق حيوي. هذا «أضعف الإيمان»، ولا نجرؤ على أن نحلم به، فالخيبة تبدو مضمونةً سلفاً.