«بالباصات الخضر جيناكم»
تمخّض الاجتماع المذكور عن تخيير الطلاب بين خيارين لا ثالث لهما: مواصلة دراستهم تحت إشراف «الإنقاذ» (من دون أن يكون واضحاً ما إذا كانت سُتبقي على المناهج الموجودة، أو ستفرض سواها)، أو مغادرة البلدة بأكملها نحو المناطق التي تحضر فيها «الحكومة المؤقّتة». وأمام احتجاج الطلاب جاء الجواب قاطعاً: «في عنّا أربع باصات خضر، مستعدّين نبعتكن فيهن على مارع أو اعزاز». وجرياً على المعتاد في مثل هذه الظروف، رفضت «الإنقاذ» السماح بنقل أيٍّ من معدّات «الكليّة»، وهدّدت الطلاب الذين طالبوا بها. يقول مهنّد (اسم مستعار) إنّ «المعدّات مُكلفة، دفعنا دم قلبنا ثمناً لها». وتقول ريم: «لما أحد الطلاب طالب بالمعدات، جاوبوه: ما إلكن شي عنا. رجع الطالب قلن: هاد اسمو تهجير، عم تشتغلو شغل النظام. فأنهوا الاجتماع وهدّدوا الطالب». ويؤكد عدد من الطلاب الذين تواصلت معهم «الأخبار» أنّ كل طلبة «الكليّة» متفقون على «عدم الدراسة تحت سلطة حكومة الإنقاذ، وسيختارون الرحيل». يتجاوز عدد الطلبة 400 طالب وطالبة، موزّعين على خمس دفعات، ويدفع الطالب قسطاً سنويّاً قدره 200 ألف ليرة سورية (لطلبة المفاضلة «العامّة»)، و300 ألف ليرة (لطلبة مفاضلة «التعليم الموازي»).
أقساط الطلاب في نظر «الإنقاذ» هي بمثابة جزء من «الغنائم»
وهم في نظر «الإنقاذ» بمثابة جزء من «الغنائم» التي حصلت عليها مع سيطرة «النصرة» على كل منطقة جديدة! الأمر الذي يرفضه كثير من الطلبة. وشهدت مناطق عدة خروج تظاهرات رافضة لسيطرة «الإنقاذ» على التعليم، وقد ردّت عليها «تحرير الشام» باعتقال عدد من المتظاهرين، ومن بين المعتقلين حتى الآن اثنان من طلاب «الطب»
وعود «مؤقّتة»
يوضح عدد من الطلبة لـ«الأخبار» أنّ التواصل قائم بينهم وبين «الحكومة المؤقتة» للبحث عن حلول. وشهدت مارع (ريف حلب الشمالي) قبل يومين اجتماعاً بين بعض الطلبة، ومسؤولين في «المؤقتة»، وتمخّض عن وعود بالمساعدة. «المشفى التركي هناك رح يساعدنا، وفي بناء ضخم رح يساعدونا بالسكن فيه. بس الكل رايح وفينا غصة وقهر». ولا تشمل هذه الوعود طلاب «كلية طب الأسنان»، التي تقع في البلدة ذاتها، وتضم قرابة 200 طالب وطالبة، وفرضت «الإنقاذ» عليها أحكام «الاستيلاء» نفسها. وتبرّر مصادر في «المؤقتة» هذا الأمر بأنّ «تجهيزات كلية طب الأسنان باهظة، وليست هناك إمكانات لتجهيز واحدة بديلة حالياً». وفيما يبدو التبرير مقنعاً في نظر بعض الطلاب، يرى آخرون فيه نوعاً من «التهرّب من المسؤولية». يقول محمد (اسم مستعار) لـ«الأخبار» إنّ «التجهيزات مكلفة بالفعل، لكن جزءاً من الأموال التي تُنهب بسبب الفساد كان كفيلاً بتغطية نفقات تجهيزات جديدة». ويضيف: «طبعاً ما بدهم يتكلفوا، هاد اسمو نصب، نحن كنّا عم ندفعلهم أقساط وما عم ندرس مجاناً، إذا بيعرفوا حالهم مو قد المسؤولية من الأول ما كانوا يورطونا». لم يتوصل محمد إلى قرار في شأن خطوته التالية بعد، وسيكون عليه الاختيار ما بين الدراسة تحت إشراف «الإنقاذ/ النصرة» أو ترك الدراسة نهائيّاً، أو النزوح والبحث عن اختصاص جديد، وخسارة ثلاث سنوات أمضاها في دراسة طب الأسنان.
شهادات بلا «اعتراف»
ثمة فصول أخرى من مأساة الطلاب من مختلف الاختصاصات، على رأسها أنهم لا يعرفون ما هو المستقبل الذي ينتظرهم، وبماذا ستفيد الشهادات التي سيحصلون عليها. وكانت «المؤقّتة» قد قررت قبل سنوات تدريس المناهج التي تُدرَّس في جامعات الدولة السورية، في خطوة تهدف إلى تسهيل الحصول على اعتراف بالشهادات المزمع منحها، وفقاً لما نقله موقع «عنب بلدي» المعارض قبل ثلاث سنوات. وحتى اليوم، لم يحصل الطلبة على ضمانات ملموسة. تقول ريم: «بصراحة ما في شي على أرض الواقع، الكل بيقولولنا ندرس ونعمل يلي علينا، وإن شاء الله بيصير خير». فيما يقول مهند: «منذ البداية، كنت أعلم أن الاعتراف الدولي بالشهادة التي سأحصل عليها ليس مضموناً. لكن ما الحل؟ لا أريد حمل السلاح، ومثلي الكثيرون، ونرغب في إتمام تحصيلنا العلمي، لأنّ الزمن زمن علم وتعليم، وفي الوقت نفسه لا أريد الدراسة عند النظام». ويتمسك الكثير من الشبان والشابات في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق بخيار مواصلة التعليم، برغم كل الصعوبات. ولا تتوافر إحصاءات عن عدد أبناء المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في جامعات الدولة السوريّة، لكنّ هؤلاء حاضرون في كل الجامعات الرسمية، وبعض الجامعات الخاصّة. في المقابل، يرفض عدد كبير من الشبّان والشابات الانتقال إلى مناطق سيطرة الدولة السورية لأسباب مختلفة، منها ما ينبع من الموقف السياسي، فيما يرفض آخرون فكرة النزوح في حدّ ذاتها، بغضّ النظر عن المواقف السياسية، وتخشى فئة ثالثة من الإقدام على خطوة من هذا النوع بسبب الهواجس الأمنيّة.