قررت منال ظفور السفر إلى موسكو كي تمضي عيد الأم مع ابنتها عشتار، التي انتقلت للعيش والعمل في العاصمة الروسية قبل أشهر قليلة. غيّرت الأم موازين المعادلة التي تقضي عادة بأن يذهب الأبناء إلى منازل أمهاتهم في عيدهن، وأحبّت أن تقول لابنتها مرة أخرى: «أنت صديقتي ورفيقتي وابنتي أيضاً، وتستحقين أن أقطع آلاف الكيلومترات لأراكِ»، فتتشاركا اللحظات الاستثنائية من جديد، بعد أن شاركت الأم ابنتها أصعب اللحظات قبل أربعة أعوام حين أصيبت الابنة بإحدى قذائف الهاون.منال، أم لتوأمين، عشتار وكنعان (26 عاماً)؛ كانت قد تزوجت قبل ثلاثين عاماً، وهي حاصلة على إجازة من كلية الآداب ــ قسم اللغة الفرنسية. وتعلمت (بعد إنجاب توأميها) اللغات الروسية والإنكليزية والسريانية.
ترى أم كنعان أن عيد الأم جاء أساساً «من عيد الأم السورية العظيمة عشتار. كان يُطلق عليه اسم أكيتو، وهو أول أيام احتفالات السوريين بأعياد الربيع، التي تمتد بين 21 آذار و4 نيسان». وتضيف السيدة التي تشغل حالياً منصب مندوبة سوريا في «المنظمة الاستشارية للتراث والفولكلور الإنساني»: «واقعاً، هو احتفال بعودة الحياة للأرض، وتجدد الطبيعة الأم، وبداية السنة الجديدة... حالياً اسمه عيد الأم، وله أسماء أخرى بحسب البلدان والثقافات مثل النوروز، وشم النسيم، وعيد الزهورية، وعيد الهولي (الألوان)». تؤمن أم كنعان بـ«عشتار»، الأم السورية الكبرى، التي تمثل قدسية الأمومة المعطاء المتجسدة في الطبيعة والأرض، لكن أمومتها تجلّت بأبهى حالاتها حين رأت ابنتها عشتار تحت الخطر.
تحكي حكاية حرب موجعة «في أيلول 2015، سقطت قذيفة هاون على بيتنا، وانفجرت داخل غرفة ابنتي... كانت وحدها، تشظّى كل جسدها، وتفتتت قدماها... لا أصعب على الأم من أن تشاهد ابنتها في مواجهة الموت، وتعجز عن فعل أي شيء سوى الدعاء والرجاء والتأمل. كانت من أكثر اللحظات صعوبة في حياتي عندما واجهتها في المشفى، وقررتُ أن أعصر قلبي وأبتسم في وجهها لكي أشعرها بالقوة والتفاؤل».
عانت أم عشتار مع ابنتها طويلاً، بعد أن أجرت الابنة الشابة أكثر من أربعين عملاً جراحياً، حتى تماثلت للشفاء، وعاودت المشي مجدداً. تضيف الأم بصوت دافئ: «هي حالة صداقة نشأت بيني وبين ولديّ الاثنين منذ الصغر. نمت هذه الحالة على الاحترام المتبادل، إذ أتعامل مع واحدهما على أنه كيان مستقل وموجود، وعقل محترم يستحق أن يتكلم وأنصت إليه. لم أهرب يوماً من أسئلتهما مهما كان السؤال صعباً أو محرجاً». تؤكد السيدة أخيراً أنها لم تضرب ابنتها طوال حياتها، وفي الوقت نفسه لا تنكر أنها تختلف مع ولديها في وجهات النظر، وتقول: «هي سُنّة الحياة. نحصدُ من أبنائنا في المستقبل، ما زرعناه فيهم عندما كانوا صغاراً... أنا فخورة بأمومتي وولدي».