حتى أيام قليلة خلت، بقي مصيرُ مدرّج بصرى مجهولاً، مع غياب الصور والشهادات الحيّة منه، ورحيل زوّاره وجيرانه منذ مطلع عام 2011 مع ازدياد الاضطرابات في مدينة درعا.«بصرى» هو المسرح الوحيد المكتمل من بين مسارح المدرّجات الرومانية المبعثرة في مناطق مختلفة من سوريا ولبنان والأردن. وقد بقي «ساحة حرب» حتى اللحظات الأخيرة للمعارك، وتعاظمت الخشية من نيله مصيراً مشابهاً لما لقيه مسرح مدينة تدمر الذي تهشّمت واجهته، وتساقطت أعمدة رومانية مجاورة لها.
الطريق إلى بصرى اليوم محفوفٌ بالدمار وبقايا قذائف معدنية خالية، تصنع أصواتاً تشبه عواء الكلاب، وصفيراً مميزاً مع حفيف الأشجار المتروكة منذ زمن طويل، فيما تعبره أربع حافلات في مقدّم كلٍّ منها شعار «الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق» التي نظّمت الرحلة السياحيّة الأولى إلى المنطقة لكسر «طوق الخوف» عنها.
يستمر الطريق متعرّجاً حتى نصل إلى المنطقة الأثرية من بصرى، فتتحوّل الأرضية إلى حجار مرصوفة بشكل أنيق. ويتطاول المدرّج المكسو بالحجارة السوداء خلف بوّابة تكشف وراءها ضرراً طفيفاً في بعض حجارته، ورصاصات قليلة تركت أثرها على جبين المسرح، وحفرة صغيرة في بطنه، إلا أنّ حجارته ومقاعده وأعمدته الرومانية بتيجانها، أضافت إلى رصيد صمودها في وجه الكوارث والزلازل والحروب السابقة، تحدّياً إضافيّاً دام ثماني سنوات. بقي المدرّج الذي يعود عمره إلى أكثر من ألفي عام محتفظاً بمعظم أقسامه وسائر عناصر عمارته منذ العصر الروماني.
لا صدر يتسّع لإحساس استنشاق الهواء من داخل هذا المدرّج. لا يزال صدى من رحلوا هنا، متقافزاً من حجرٍ إلى آخر، لتعلن الوحشة فشلها في التغلب على المكان الذي يبدو بوضوح أنّه مهملٌ منذ زمن بعيد.
المدرّج مؤلف من مسرح كبير يتّسع لحوالى مئتي شخص، وواجهة أعمدة رومانية مكتملة، منقوشة بالتيجان المزخرفة، وقبالتها مدرّج طويل يتّسع للآلاف. تقطعه أدراج صغيرة تصل بين المدرجات في شكل طولي، وفي المنتصف مقاعد حجرية قديمة، بالإضافة إلى مخارج فرعية.
يفتح المدرّج قلبه للسيّاح والزوّار للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، وقد بات الطريق إليه مؤمّناً ولا يستغرقُ سوى ساعة ونصف الساعة من الزمن. يؤكد المسؤولون المحليون أن المدرّج سيستعيد نبضه وعافيته من جديد فقد بدأت إعادة تأهيله، لكنّ عودته الحقيقية تكون بعودة روّاده.