إذا كنت في جولة داخل مخيم اليرموك، ولمحت وسط الدمار خيالاً على هيئة رجل يرتدي قُبعة ويجلس أمام أحد المنازل، فلا تفزع. لا أحد هنا سوى أبو طارق، آخر رجال المخيّم الذين سكنوه في عام 1959، ولا يزال فيه حتى اللحظة.وُلد محمود علي السيد في مدينة حيفا عام 1938، ثم انتقل إلى سوريا بعد النكبة. يقول الرجل الذي شقّت السنين وجهه: «قبل سبعين سنة، قالت لي أمّي سنخرج بضعة أسابيع ثم نعود إلى حيفا (...) أعرف تماماً هذه الحالة، وأردتُ ألا تتكرّر، لذلك بقيت هنا رغم كلّ ما جرى في المخيم».
قبل سنوات لم تنجح زوجة أبو طارق في إقناعه بمغادرة المخيّم معها. تشبّث الرجل بالبقاء مع قططه التي رعاها و«رعته» طوال فترات القصف والمعارك. كذلك، لم تستطع الفصائل المتعاقبة على المخيم إخراجه من منزله، بسبب عناده وإصراره على البقاء في بيته «مهما كلّف الأمر من ثمن». يشعرُ ببعض السعادة بعد أن هدأت المعارك، لكن فرحته ناقصة، ومشاعره مشتّتة بين ألمانيا والسويد ولبنان، حيث تبعثر أبناؤه وأحفاده.
تملأ الغصّة حلقه حين نسأله عن أبنائه. تأكله الحيرة ويحاول أن يشيح بوجهه كي لا نرى دموعه، ثم يتمالك نفسه ويقول: «لم أرهم منذ بدء الحرب، لا أريد شيئاً من الدنيا سوى رؤيتهم، ولو ثانية واحدة قبل رحيلي».