بقوامه المشدود ينتفض الشاعر الشعبي علي يونس يوسف، ليستقبل ضيوفه أمام باب بيته في قرية برصين بمنطقة الشيخ بدر (ريف طرطوس)، من دون أن تؤثّر في همّته مئة وخمس سنوات سجّلها عدّاد عمره حتى الآن. وُلد علي يوسف عام 1913. عُرف منذ كان شابّاً بنظم الزّجل، حتى ذاع صيتُه وغدا أحد رموز قريته. على لسانه تحضر دائماً مئات القصص والحكايات من الماضي، يقول: «يبدو أن الماضي دائماً زمن جميل، ولطالما سمعت الناس تترحّم على الأيام التي خلت».ينأى أبو شوكت بنفسه عن سماع الأخبار، لكن كثرة جنازات الشهداء في قريته تُخبره بأن الحرب ما زالت مستمرة. يسترق السمع أحياناً إلى مذياعه القديم، وسُرعان ما يغلقه، ليعود إلى ماضيه وكتبه وأرضه. حرص ابن بلدة الشيخ صالح العلي على توثيق أحداث التاريخ. تحضر في شعره الشعبي الحقب المُتتالية: من الاحتلال العثماني، إلى الحربين العالميتين، فالاحتلال الفرنسي، والنكبة والنكسة وحرب تشرين وحروب لبنان والعراق وإيران. مع ذلك، يصرّ الرجل على أن ما مرّت به سوريا في السنوات الأخيرة «أصعب ما شهده وعايشه». يقول مغالباً دموعه: «أرى في عيون الناس همّاً لم أشاهده من قبل (..) الجميع محزون ومجروح، والأسى دخل كل منزل مهما نأى في الجبال».
اعتاد أبو شوكت نظاماً حياتيّاً جعل جسده ينحت السنين ولا ينحني: يستيقظُ باكراً، يتناول الفواكه والخُضر، و«لا بدّ أن تعانق أصابعه الأرض يوميّاً، متفقداً الزرع والمحاصيل».
يتحلّق أبناؤه وأحفاده وأبناء أحفاده حوله مصغين إلى حكاياته. يفتح أحد دفاتره ليقرأ لنا شيئاً من شعره بلا حاجة إلى نظّارة، ثمّ يغلقه ويُسمعنا زجلاً:
«بالله يا قومي إذا نجمي أفلْ،
وانقطع عندي من الدنيا الأملْ،
خُطّوا على قبريْ تحت تاريخ الوفاة:
شو كان أبو شوكت بِحبّ الزجلْ»