في «فلسفة» الأمانة العامة لـ 14 آذار، هذه الأيام، شيء من «الفلسفة الجنبلاطية» القائمة على شعار: الجلوس على حافة النهر في انتظار مرور الجثة. تكتفي «الأمانة» ببيانها الأسبوعي المكرّر، ولكل من حزب الله والعماد ميشال عون حصة محفوظة فيه، وكفى الله «الأمانة» ومنسّقها شرّ القتال. في بيانها، عقب انعقادها أمس، تعهّدت «الدفاع عن المؤسسات الدستورية والعسكرية والتمسك بالدستور اللبناني نصاً وروحاً منعاً لانزلاق لبنان نحو المجهول».
وبعدما بحثت مطولاً عن عنوان لتشخيص «الانتفاضة» العونية، وصلت إلى خلاصة مفادها أن «عون يريد ضرب النظام الذي يحمي المسيحيين»... وهكذا، حتى بيان الاجتماع المقبل، لم يكن بيان الأمس «أوفردوز» بما يتلاءم والتطورات على الأرض.
هذه «الحيادية» يبرّرها بعض أعضاء «الأمانة» بأن «الطلقة أغلى من الطريدة»، لذا «ليس لنا أن نفرّط بطلقة واحدة في جسد ميت في السياسة»! يكتفي هؤلاء بالمواقف المعلبّة حتى اتضاح الصورة، ومعرفة ما ستخلّفه التحركات العونية التي بدأت أمس. يستقوون بـ«القرار المحلي والإقليمي بمحاصرة الرجل تمهيداً لنفيه، هذه المرة، إلى منزله». لا تعنيهم مشهديات النزف المسيحي في الشرق التي حملت عون على الاستنفار. وليس في قاموسهم ما يُسمّى «حقوق المسيحيين». فهذا «شعار مغلوط، والمطالبة بهذه الحقوق ستخلق في مقابلها من يطالب بحقوق المسلمين». في المحصّلة، ما يطالب به عون هو «مكتسبات خاصة». وحتى قائد فوج المغاوير شامل روكز، هناك داخل «الأمانة» من ينسف كل تاريخه العسكري في دقائق: هو المسؤول عن تهريب شاكر العبسي من مخيّم نهر البارد، وهو من يتحمّل خطيئة تهريب الشيخ أحمد الأسير من صيدا... إلى حدّ تحميله وزر خطف العسكريين في عرسال!
لكن بيت القصيد ليس في ما يحاول بعض أعضاء الأمانة العامة الترويج له في مهاجمتهم لعون وتياره، بل في المواقف المخفية وراء جدرانها، والتي تخصّ المنسق العام للأمانة النائب السابق فارس سعيد. العارفون بالرجل يتحدثون عن وقوعه هذه الأيام بين شاقوفين: «تيار المستقبل الذي يسير في مواجهة عون نحو الصدام الشامل، والقوات اللبنانية التي لا تفضّل هذه الأيام التفرّج على أن تكون رأس حربة». يقول مقرّبون من سعيد إن «قلبه وعقله عند الرئيس سعد الحريري، لكنه لا يستطيع أن يكون نارياً فيزعج سمير جعجع». وهو «ليس ابن البارحة كي يضحّي بالعلاقة مع معراب»، علماً بأنه «كان من أكثر المعارضين ضمناً للتقارب العوني ــــ القواتي ولورقة إعلان النيات». لذلك، يعيش «حكيم» قرطبا «مرحلة ذهبية»، آملاً أن «يكسر استمرار المواجهة بين الحريري وعون ما بناه إبراهيم كنعان وملحم رياشي طوال الأشهر الماضية، وهو ما حاول سعيد التحريض ضدّه في الكثير من جلساته». ما لم يقله سعيد في العلن، قاله في جلسات مغلقة مع المقربين منه، وهو أن «اتخاذ الحيطة في أي كلمة تقال ضد عون سيكلّفه في أقل من الانخراط في الصدام السياسي ضد العونيين». لا يهمّ سعيد أن يظهر بمظهر «فاقد الحيلة هو وأمانته» في معركة بحجم المعركة التي تقاد ضد عون، حالياً، فكل شيء سيغدو مباحاً «عندما تعود القوات إلى حضن المستقبل وبعدما يستنفد عون كل طلقاته».