تُظهر برقيات «ويكيليكس» التي حصلت عليها «الأخبار» أن المسؤولين المصريين عانوا من صعوبات كبيرة في التعاطي مع ملف 7 أيار واتفاق الدوحة وما دار بين هذين التاريخين وبعدهما. رغب هؤلاء بشدة في إرسال قوة عسكرية عربية إلى لبنان، لكنهم تردّدوا في الدفع نحو ذلك لأسباب عديدة، من بينها معارضة سوريا وقطر وعمان للاقتراح، إضافة إلى خوف المصريين على أمن سفارتهم في بيروت، رغم «حرقة القلب» المصرية إزاء مشهد «إهانة المسلمين السنّة» في لبنان على يد حزب الله.
وفي اجتماع بين وزير الخارجية أحمد أبو الغيط والسفير الأميركي الأسبق في لبنان دايفيد ساترفيلد، في 18 أيار 2008 [08CAIRO1009]، وصف الوزير المصري حزب الله بأنه تصرّف كـ«عصابة من قطّاع الطرق»، طالباً من الولايات المتحدة «تمويل قوة حفظ سلام عربيّة محتملة تُرسَل إلى لبنان». وشدّد أمام ساترفيلد على ضرورة أن تضغط واشنطن على وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي كي لا يعارض مشروع القوة العسكرية العربية تلك. وفي اللقاء نفسه، اعترف أبو الغيط بأنه سيكون صعباً على مصر والسعودية أن تضغطا بفعالية على سوريا، لأن هذه الأخيرة لا تزال ترفع شعار مقاومة إسرائيل، وبالتالي تبقى دمشق قادرة على تعبئة الدعم العربي لمصلحتها. كذلك اعترف أبو الغيط بأن مصر لن تقترح في اجتماع الجامعة العربية (الذي كان سيعقد في ذلك اليوم) إرسال قوة عربية عسكرية إلى لبنان، لعلمها أن كلاً من سوريا وقطر وعمان ستعارض ذلك. وفي السياق، طلب من ساترفيلد إبلاغ إدارته ضرورة عدم إطلاق مواقف صاخبة وعلنية تتعلق بنقاشات الجامعة العربية بشأن الأزمة اللبنانية، «لكي لا يكون لحزب الله ذريعة للقول: أميركا تدعم الخونة».
وصارح مسؤول الملف اللبناني والسوري في وزارة الخارجية المصرية نزيه النجيري أركان السفارة الأميركية في مصر، في اجتماع بتاريخ 13 أيار 2008، بأن الحكومة المصرية تتحاشى دعم الحكومة اللبنانية بوضوح ضد حزب الله، لخوفها من أن يستهدف الحزب السفارة المصرية في بيروت [08CAIRO983]. في المقابل، بدا المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي مطمئناً إلى أن حزب الله لن يهاجم أهدافاً مسيحية في لبنان بسبب تحالفه مع ميشال عون، ليخلص إلى أن حزب الله لن يكون قادراً على احتلال كامل الأراضي اللبنانية، «لذلك فإن السنّة هم الذين يدفعون الثمن الأكبر نتيجة اعتداءات حزب الله». ونقلت برقية السفارة الأميركية عن زكي «كلاماً عاطفياً حرفيّته أن معاناة اللبنانيين السنّة أمر يحبط مصر والسعودية في الصميم، وخصوصاً بعدما رأينا ماذا حلّ بالسنّة في العراق»، واصفاً قطر بأنها «الداعم الأول لسوريا».
أما عن مواقف المسؤولين المصريين إزاء اتفاق الدوحة [08CAIRO1085]، فقد كانت إيجابية بمعظمها. وردّاً على سؤال عن تقويم الإدارة المصرية لحصول المعارضة اللبنانية (في حينها) على الثلث المعطل داخل الحكومة، رأى نائب وزير الخارجية المصرية للشؤون العربية أيمن زين الدين أنّ «حصول المعارضة على الثلث المعطل يبقى أفضل من امتلاكها ميليشيا تعطّل الطرقات». وأعرب كلّ من زين الدين ونزيه النجيري عن اطمئنانهما إلى أن فريق 14 آذار «محمي جيداًً من خلال حفاظه على غالبية المقاعد داخل الحكومة». لكنّ النجيري ظل متشائماً لأن «إيران بدأت منذ الآن (27 أيار) بتمويل مرشحيها للانتخابات اللبنانية» التي كانت مقررة بعد نحو عام من ذلك التاريخ. وفي السياق، رأى النجيري أن العرب اعترفوا عملياً بأن حزب الله «استولى على عاصمة عربية»، وهو ما دفع، على حدّ تعبير المسؤول المصري، وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم ورئيس الموظفين في الجامعة العربية هشام يوسف، «المعروفين بدعمهما لسوريا عادةً، إلى اتخاذ موقف حاد ضد المعارضة اللبنانية، إضافة إلى أن وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي كان غاضباً من حزب الله». وبرر النجيري غضب العمانيين والقطريين من حزب الله بفهمهم أن «ما حصل في لبنان (في أحداث 7 أيار) ممكن أن يحصل في دولهم أيضاً». وهنا تتدخل السفيرة الأميركية في مصر مارغريت سكوبي لتكتب ملاحظة مفادها أنّ وزارة الخارجية المصرية لا تملك استراتيجية ردّ على إيران وحزب الله.
في المقابل، يبدو حسام زكي، في اجتماع مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، دايفيد هال، متشائماً حيال الأوضاع اللبنانية ما بعد اتفاق الدوحة. وقال زكي [08CAIRO1940] إنّ مصر تعتقد أن للمسيحيين في لبنان دوراً كبيراً ليقوموا به، «لكن المشكلة هي أنهم لا يملكون زعيماً واحداً»، واصفاً ميشال عون بأنه «كارثة». حتى إن زكي رأى أن تحالف عون مع حزب الله شبيه بتحالف حزب الكتائب اللبنانية مع الطائفة العلوية في سبعينيات القرن الماضي، «وهو التحالف الذي فتح الباب أمام التدخل السوري في لبنان». وعن خطط مصر لدعم «الدولة اللبنانية»، طلب زكي من الإدارة الأميركية إقناع المسؤولين اللبنانيين بقبول تدريب مصر لضباط الجيش اللبناني.
وفي اجتماع آخر بين زكي ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان، [08CAIRO2275]، أعرب زكي عن اعتقاده بأنّ اتصالات الإدارة الأميركية المتزايدة مع دمشق أمر لا بد منه، متوقعاً أن يثير هذا الأمر غضب كلّ من حزب الله وفريق 14 آذار. وبدت مواقف زكي وفيلتمان متشابهة إزاء المسألة اللبنانية، إذ أشار فيلتمان إلى أنه «بينما أُحرز بعض التقدم في لبنان، يساورنا القلق بشأن مسألتين: أولاً، يبدو أن بعض قادة المعارضة اللبنانية يجدون صعوبة في الالتزام ببنود اتفاق الدوحة، بدليل انسحاب نائب رئيس مجلس الوزراء عصام أبو جمرة من الحكومة. وثانياً، علينا أن نتنبّه إلى مَن يموّل الأطراف المتنازعة في شمال لبنان» (في إشارة إلى أحداث طرابلس آنذاك). ورأى زكي أنّ «السوريين قد يكونون متورّطين، الأمر الذي سيزجّ بهم في لعبة خطرة جداً». واتفق زكي وفيلتمان على أن المسيحيين سيؤدون دوراً مهماً في نتائج الانتخابات النيابية لعام 2009، حيث كرر زكي استحضاره للتاريخ اللبناني، لافتاً إلى أن «الوضع مشابه لفترة 1975ـــــ1976، حين تحالف المسيحيون مع النظام العلوي في سوريا لمواجهة النفوذ السياسي السنّي، فأتت النتائج كارثية». وتابع زكي أن «المسيحيين الحكماء واعون لخطر تحالف ميشال عون مع الشيعة، وقلقون من حصول كارثة مرتقبة». وشدد على ضرورة أن «يعي المسيحيون اللبنانيون أن تحالف عون مع الشيعة سيلحق الأذى بهم وببلدهم». وعن استقبال القيادة المصرية لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قال زكي «يملك جعجع تاريخاً (سيّئاً)، لكنّه غيّر سياسته كلياً منذ انتهاء الحرب، وتبنّى سياسة جديدة شاملة تعترف بلبنان جزءاً من المنطقة والعالم العربي». وأصرّ زكي على معرفة طبيعة الأسلحة التي ستوفرها الإدارة الأميركية للجيش اللبناني، فأجاب فيلتمان بأن هذه الأسلحة من شأنها أن تخفف من هواجس المسيحيين، كاشفاً أن واشنطن تسعى إلى تزويد الجيش اللبناني بميزانية تبلغ 400 مليون دولار، تغطي معظمها معدات اتصالات آمنة ومروحيات هليكوبتر. وهنا، ما كان من زكي إلا التشديد على أهمية المساعدة العسكرية الأميركية للبنان، مخاطباً فيلتمان قائلاً: «عليكم أن تقنعوا الكونغرس بأن الجيش اللبناني قد أفرغ من ذخائره بعيد الانسحاب السوري من لبنان».
ثمّ سأل فيلتمان زكي عن سياسة مصر تجاه حزب الله، فأجاب المسؤول المصري بأن حكومته أدركت أن حزب الله «هو أقوى لاعب سياسي في لبنان، ويمكنه فرض سيطرته على الأرض إذا ما أراد ذلك، ما جعلنا نفكّر: هل نريد فعلاً مقاطعة حزب الله، أم علينا أن نحاوره أولاً؟».
وأوضح زكي أنه لهذا السبب قرّر المصريون فتح قناة اتصال مع حزب الله، والتقوا بالوزير محمد فنيش «الذي كان حازماً بشأن عدم تخلّي حزب الله عن المكاسب السياسية للشيعة في لبنان». انطلاقاً من ذلك، أكد زكي أن المصريين «لا يعتزمون تجديد حوارهم مع حزب الله»، لافتاً ضيفه الأميركي إلى أن «موقف مصر من حزب الله مرتبط بموقفنا من إيران، فالاثنان مرتبطان مباشرة».