في البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت، ظهر أول ذكر لشبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله في شهر آب 2007، أي قبل 8 أشهر من صدور قرار مجلس الوزراء. في البرقية التي تحمل الرقم 07BEIRUT1301 (24 آب2007) يجري الحديث عن لجنة وزارية ألّفتها الحكومة اللبنانية للبحث في شأن شبكة اتصالات خاصة بحزب الله في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. وزير الاتصالات في تلك الأيام، مروان حمادة، يخبر نائب رئيس البعثة الأميركية في بيروت، وأحد موظفي السفارة، أن وزارتي الاتصالات والداخلية قدّمتا تقريريهما عن شبكة حزب الله، معلناً أنه فوجئ بأن وزارة الدفاع لم «تؤدِّ واجبها».
وبحسب تقرير حمادة، فإن إسرائيل دمّرت الشبكة عام 2006، فاستبدلها الحزب بتمديدات تحت الأرض. يضيف حمادة أن من زوّدوا وزارة الاتصالات بمعلومات خائفون من انتقام حزب الله. وقرأ حمادة على مسامع ضيفيه الأميركيين أجزاءً من التقرير الذي أعدّته وزارته، والذي يتحدث عن أن الشبكة السلكية تربط عشر قرى في الجنوب. وعبّر الوزير عن اعتقاده بأن المنظمة الإيرانية التي تشارك في عمليات إعادة الإعمار في جنوب لبنان تقوم بعمليات تمديد الشبكة. وزيادة في الإفادة، قال حمادة للدبلوماسيين الأميركيين إن ثمة رابطاً بين قرى الجنوب ومنطقة البقاع الجنوبي. كذلك شرح الوزير اللبناني كيف أن الحكومة اللبنانية لا تستطيع التحقق من هذه الشبكة في الضاحية الجنوبية لبيروت. ولفت حمادة إلى وجود كابل اتصالات يمر بمحاذاة سور السفارة الفرنسية، وآخر يصل إلى مخيّم اعتصام المعارضة في وسط بيروت. وقد قلّل كاتب البرقية الأميركية من جدية المعلومات التي تتحدث عن مرور كابل اتصالات خاص بحزب الله قرب السفارة الفرنسية في بيروت، التي تخضع لرقابة دقيقة من السفارة.
وبحسب البرقية ذاتها، فإن السفارة الأميركية سعت إلى مقاطعة معلومات حمادة مع مصادر أخرى، بينها موظفون في السفارة، وعاملون في منظمات غير حكومية في الجنوب، وموظفون في وزارة الاتصالات. هذه المصادر أكدت معلومات الوزير، بل إن بعضها أضفى على الشبكة أبعاداً اقتصادية، كما فعل جيلبير نجار، رئيس هيئة مالكي شبكتي الخلوي في لبنان. فالبرقية ذاتها تنقل عن نجار قوله إن وزارة الاتصالات اشتبهت في وجود نشاط غير شرعي نتيجة لسببين: أوّلهما انخفاض عدد المشتركين الجدد في شبكة الهاتف الثابت في بعض مناطق الجنوب. وثانيهما حصول تشويش على الترددات في الجنوب. لكن اكتشاف أن التشويش يأتي من الغرب، أقفل التحقيقات في هذه القضية.
بعد ذلك، اختفت شبكة اتصالات حزب الله من البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت، إلى أن عادت وظهرت يوم 8 نيسان 2008 (08BEIRUT490). في تلك البرقية، شكا النائب وليد جنبلاط إلى القائمة بالأعمال الأميركية، ميشيل سيسون، رئيسَ الحكومة فؤاد السنيورة، بسبب عدم ممارسته الضغوط الكافية للحصول على التقرير الرسمي الذي أعدّته وزارة الاتصالات «برعاية وزير الاتصالات مروان حمادة». وقال جنبلاط إن مدير استخبارات الجيش العميد جورج خوري والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي كانا على اتصال مع رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا للتباحث بشأن التقرير. وبحسب جنبلاط، فإن صفا حذّر من اتخاذ أي خطوة ضد شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، لأنها ستعدّ «إعلان حرب». وزوّد جنبلاط سيسون بنسخة عن الخريطة التي تظهر أماكن انتشار الشبكة. وشرح جنبلاط أن تحويل تقرير وزارة الاتصالات إلى تقرير رسمي تمهيداً لتقديمه إلى الحكومة يحتاج إلى أن تستكمل المؤسسات الأمنية عملها عليه. وبحسب البرقية الأميركية، فإن وزير الدفاع الياس المر كان يلوم مدير استخبارات الجيش على التأخير في إنجاز التقرير.
الاهتمام بشبكة اتصالات حزب الله لم يقتصر على السفارة الأميركية في بيروت. ففي البرقية التي تحمل الرقم (08BEIRUT505)، الصادرة يوم 11 نيسان 2008، تنقل القائمة بالأعمال ميشيل سيسون عن السفير المصري أحمد البديوي قوله إن مسؤولين في حزب الله أكدوا له أن الحزب يملك شبكة خاصة للاتصالات السلكية، قائلين له: «كيف تظن أننا قاومنا عام 2006؟». وبحسب القائمة بالأعمال الأميركية، فإن السفير المصري أخبرها بأن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أطلعه على خريطة تُظهر انتشار الشبكة في لبنان.
في تلك الأيام من شهر نيسان 2008، يظهر من البرقيات الأميركية أن قوى الرابع عشر من آذار وضعت قضية شبكة اتصالات حزب الله على نار حامية. والمعني الأول بإشعال النار كان وزير الاتصالات مروان حمادة الذي طلب موعداً خاصاً من القائمة بالأعمال الأميركية يوم 16 نيسان (08BEIRUT523). استهلّ حمادة اللقاء بالقول إن «شركة إيران للاتصالات تسيطر على لبنان». شرح تفاصيل الشبكة لسيسون، مؤكداً أنه تولّى نقل المعلومات ذاتها إلى «الأصدقاء» حول العالم، في الدول العربية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن. ورأى حمادة أن ثمة خيارين لا ثالث لهما أمام الحكومة اللبنانية للتعامل مع قضية شبكة الاتصالات المذكورة، وهما: اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، أو استخدام «غطاء» المجالس البلدية المقرّبة من قوى 14 آذار لقطع خطوط الهاتف الخاصة بحزب الله. وتساءل عمّا إذا كانت الجرأة متوافرة لدى الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي للقيام بهذه المهمة، مع العلم بأن حزب الله أبلغ مسؤولين أمنيين لبنانيين بأنه سيتعامل مع أي مسّ بشبكة اتصالاته كما لو أنه عدوان إسرائيلي. وقال حمادة لسيسون إنه أبلغ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ومستشارين للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بما لديه من معطيات، فضلاً عن إخبار كل من سفيري فرنسا والمملكة العربية السعودية في بيروت. كذلك قال حمادة إن النائب سعد الحريري، فور ورود هذه المعطيات إليه، بعث بطائرة خاصة إلى المملكة العربية السعودية لتزويد الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز بنسخة من الخريطة التي تُظهر أماكن وجود الشبكة على الأراضي اللبنانية. وهذه الخطوات التي قامت بها قوى 14 آذار سابقة لاكتشاف وجود كاميرا للمراقبة قبالة المدرج 17 في مطار بيروت الدولي، الذي جرى يوم 23 نيسان من ذلك العام.
في الأول من أيار 2008، ظهرت شبكة اتصالات المقاومة مجدداً في واحدة من البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت (08BEIRUT586). كبير مستشاري الرئيس فؤاد السنيورة، محمد شطح، قال للقائمة بالأعمال إن شبكة الاتصالات هي دليل إضافي على تعدّي حزب الله على الدولة اللبنانية. وبرأيه، لا يمكن فصل الشبكة عن النشاطات العسكرية لحزب الله. وأشار شطح إلى أن مجلس الأمن الدولي لا يمكنه أن يبقى صامتاً حيال التقارير الواردة عن تزايد النشاطات غير المشروعة لحزب الله، لافتاً إلى أنه يبقى على الحكومة اللبنانية أن تبادر إلى إصدار اتهام علني بحق حزب الله.
الحملة على شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله لم تقتصر على المسؤولين الرسميين اللبنانيين. ففي لقاء جمعه بسيسون في اليوم السابق لصدور قرار مجلس الوزراء (08BEIRUT608)، أثار مفتي صور السابق السيد علي الأمين قضية شبكة اتصالات حزب الله، من باب الشكوى من «تقصير» قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب. فبعدما وصف الأمين عناصر اليونيفيل بأنهم سيّاح في لبنان، أشار إلى أنه أثار مع ضابط بلجيكي قبل أربعة أشهر قضية شبكة الاتصالات التي «يبنيها حزب الله في أرجاء البلاد». وقال الأمين إن شبكة الاتصالات وكاميرا المراقبة (قرب المطار) تشيران إلى أن نيّة حزب الله بناء دولته الخاصة. ورأى مفتي صور السابق أن على الحكومة اللبنانية أن تطبّق القوانين، لافتاً إلى أنه اقترح على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عقد اجتماعات شهرية مع رجال دين شيعة بهدف مناقشة سيطرة إيران وحزب الله في لبنان.
في اليوم التالي، أصدر مجلس الوزراء، بعد جلسة استمرت لنحو عشر ساعات، قراريه الشهيرين، القاضيين بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير وباعتبار شبكة حزب الله غير شرعية. بعد ذلك، دخلت البلاد في ما بات معروفاً من اقتتال لم تُمحَ آثاره بعد. وبحسب وزير الإعلام طارق متري الذي أوجز لسيسون يوم 6 أيار 2008 (08BEIRUT618)، مداولات مجلس الوزراء في الليلة السابقة، فإن الحكومة لا تريد أن تطلب من الجيش «قطع الخطوط» لأن حزب الله سيرى في ذلك إعلان حرب. وبالنسبة إلى رئيس جهاز أمن المطار، فقد أقرّ متري بأن شقير كان مهملاً أكثر منه خبيثاً، معبّراً عن الخشية من أن شقير قد يربح دعوى قضائية إذا اعترض على قرار مجلس الوزراء وتمكن من إثبات أنه أقيل من منصبه قبل إنجاز تحقيق رسمي. وقبل نهاية اجتماعه بسيسون، توقع متري أن يواجه قائد الجيش العماد ميشال سليمان موقفاً حرجاً بسبب احتمال وقوع تظاهرات عنيفة يوم السابع من أيار.
شهدت البلاد ما هو أسوأ مما توقّعه متري. وعشية الذهاب إلى الدوحة لوضع حدّ للنزاع، كشف مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، ابن عمّته نادر الحريري (08BEIRUT704، 15 أيار 2008)، ما كان يراهن عليه البعض في تلك الفترة، عندما قال إن وزير الدفاع الياس المر كان قد تعهّد بأن يدافع الجيش اللبناني عن قرارَي الحكومة.



يوم 11 أيار 2008 (08BEIRUT653)، زارت القائمة بالأعمال الأميركية، ميشيل سيسون، وزير العدل شارل رزق الذي قال إن وزيري الاتصالات والدفاع مروان حمادة والياس المر كانا يدفعان مجلس الوزراء إلى إصدار قراره المتعلق بكاميرا المراقبة المزروعة قرب مطار رفيق الحريري الدولي، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لم يكن يؤيّد فكرة إقالة رئيس جهاز أمن المطار وفيق شقير. وأشار رزق إلى أن رد فعل قوى المعارضة حينذاك لم يكن متوقعاً، زاعماً أن الجيش اللبناني يوشك على خسارة نحو 70 في المئة من ضباطه السنة والمسيحيين والدروز. وعبّر رزق عن اعتقاده بأن الجيش كان متورّطاً في السيطرة على عدد من المقار التابعة لتيار المستقبل، إذ إن أفراداً من الجيش كانوا يطلبون من أنصار المستقبل مغادرة مكاتبهم. ودعا رزق إلى فتح خط للطيران المروحي إلى قبرص وإلى تجهيز مطار القليعات في الشمال، منتقداً الوزير محمد الصفدي الذي صرّح يوم 10 أيار بأن المطار المذكور غير صالح لاستقبال الرحلات التجارية.

■ ■ ■

يوم 12 أيار 2008 (08BEIRUT677)، استقبل النائب وليد جنبلاط القائمة بالأعمال الأميركية في منزله بكليمنصو، وحدثها عن صعوبة القتال في مناطق الشوف. وقال جنبلاط إن مقاتليه أنجزوا عملاً جيّداً خلال الليلة السابقة، وأنهم حاصروا مقاتلي حزب الله «إلا أنهم سمحوا لهم بالانسحاب تفادياً لأي هجمات انتقامية مستقبلية». وشدد جنبلاط على أنه حان الوقت لتقبّل واقع الهزيمة على أيدي حزب الله، وضرورة الانتقال إلى إبرام اتفاق ما. وقال جنبلاط: «لا يهمّني إن خسرت اعتباري الشخصي اثناء العملية»، لافتاً إلى أنه لا يمكنه محاربة «قوة حزب الله العظمى لوقت أطول، خاصة بعدما نفدت ذخيرة مناصريه ليلة البارحة. ليس لدينا طرق إمداد إلى سوريا كما كان لدينا سابقاً عام 1982». ونبّه جنبلاط الولايات المتحدة الأميركية إلى ضرورة عدم غض النظر خلال هذه المرحلة الانتقالية عن المحكمة الدولية أو الضباط الأربعة «الذين أسهموا بقتل الحريري».

■ ■ ■

في لقاء مع القائمة بالأعمال الأميركية يوم 12 أيار 2008، قال وزير الأشغال العامة والنقل آنذاك محمد الصفدي إنه ربما يصدر بياناً بعد ظهر اليوم ذاته يعلن فيه أن الحكومة اللبنانية لن تفتح مطار القليعات سوى في حالات الضرورة القصوى. وبرأي الصفدي، فإن بياناً مماثلاً يعني أن المطار قابل للاستخدام. وقال الصفدي إن المطار قابل للاستخدام خلال ساعات النهار، لافتاً إلى أن حركة الرياح تجبر الطائرات الكبيرة في معظم الأحيان على التحليق فوق الأجواء السورية للهبوط في مطار القليعات. وأشار وزير النقل إلى أن المطار المذكور بحاجة إلى تجهيزات كان المدير العام للطيران المدني حمدي شوق قد طلب مساعدة وكالة التنمية الاميركية على تأمينها سابقاً. وانتقد الصفدي إثارة مسألة تشغيل المطار الشمالي علناً مع أنه لا يحظى بالحماية الأمنية اللازمة. ولفت إلى أنه أخفى عن المعارضة أن مرفأ بيروت لا يزال يعمل. كذلك، اتصلت السفارة الأميركية في بيروت بشوق للاستفسار منه عن واقع المطار.

■ ■ ■

يوم 15 أيار 2008، (08BEIRUT700) استقبل رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون، بحضور نجله سامي الجميّل وسليم الصايغ. وعبّر الجميّل عن خيبة أمله من ردة فعل الولايات المتحدة الأميركية على الأحداث التي جرت في لبنان خلال الأيام السابقة، معبّراً عن أمله أن ترسم الحكومة الأميركية في لبنان خطوطاً حمراء وأن توضح لإيران وسوريا أنها جاهزة للدفاع عن هذه الخطوط مهما كلف الأمر. بدوره، حذّر الجميّل الابن من «أن الخيار البديل لدى السنة المحبطين هو القاعدة. فقد هدّد مقاتلون من تيّار المستقبل التابع لسعد الحريري بإعلان الجهاد المقدّس لأنهم شعروا بغياب أيّ خيار بديل أمامهم». ولفت الرئيس السابق للجمهورية إلى معلومات وردته بشأن توقيف خمسين معارضاً سورياً في بيروت الغربية، بأمر من الاستخبارات السورية، وأنهم نُقلوا إلى دمشق. وطلب الجميّل أن تصدر الولايات المتحدة بياناً بشأن المحادثات في الدوحة، مشيراً الى توجّسه من العلاقة الودية بين قطر وسوريا.