لم تتكشّف ملابسات «العمليتين الاستشهاديتين» اللتين استهدفتا السفارة الإيرانية في بيروت أول من أمس. فالأجهزة الأمنية لم تتمكن بعد من تحديد الهويّة الحقيقية للمنفّذين، علماً بأنّ من المبكر الحديث عن تقدّم في التحقيقات. ورغم تعدّد الجهات المحتمل ضلوعها في الهجوم، ليس هناك سوى دليل «ضعيف» واحد خرج عبر موقع «تويتر» في حساب لمجهول يدّعي أنّه الشيخ سراج الدين الزريقات، أحد أعضاء تنظيم «كتائب عبدالله عزّام»، الذي تبنّى فيه ما سمّاه «غزوة السفارة»، قبل أن يختفي أثره بعد ساعات. جهازٌ استخباري أو «مجموعةٌ جهادية» تقف خلف العملية، أحدٌ لا يستطيع الجزم بعد. ورغم أن احتمال استخدام منفّذ «تكفيري» كأداة حاضرٌ بشدّة، إلّا أنّ البحث مركّز لكشف هوية «الاستشهاديين» أولاً، بواسطة داتا الاتصالات وفحوصات الحمض النووي ومسار سيارتهما وحركة الدخول والخروج حدودياً، وغيرها من الأمور التقنية. هذا في الشقّ المرتبط بالتحقيق الأمني. أمّا شرعاً، فتلك قصةٌ أخرى. تفجيرا السفارة الإيرانية في المنظور الشرعي للسلفية الجهادية «إرهابٌ محمود». وبحسب سلفيين جهاديين، «هناك في أدبيات المجاهدين قواعد ينطلقون منها. فالحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره». وبمعنى آخر، «كي نحكم على الشيء يجب علينا فهم واقعه، ثم استنباط الحكم الشرعي من الآية أو الحديث. والعودة إلى عهد الرسول لاستحضار حادثة مشابهة وإسقاطها على الواقع الحالي». وبالنسبة إلى استهداف السفارة الإيرانية، يرى سلفيون جهاديون يحملون فكر تنظيم «القاعدة» أنّ «السفارات في العالم أوكار تجسس وعمالة». وبالتالي «نعتبر أن إيران والحزب أصبحا وكيلين عن أمريكا لمحاربة المجاهدين. وهذا واضح في سوريا التي يُشارك فيها الحزب في قتل المسلمين.
وفي لبنان، الهجوم على الشيخ الأسير في عبرا مثال ساطع». وبحسب المصادر نفسها، «ضرب السفارة الإيرانية جاء لأنّ إيران تدعم (الرئيس) بشّار (الأسد) وحزب الله في قتل المسلمين». ويستدل على ذلك بأنّ «الجهة المنفّذة لم تضرب في عاشوراء، لأن الهدف ليس مجرد قتل العوام من الشيعة، بل الهدف سياسي وأمني له أبعاده على كل المستويات». تسأل قيادياً في تنظيم القاعدة: هل يُعتبر موظفو السفارة الإيرانية كفّاراً محاربين يجوز قتلهم في نظركم؟ فيجيب بـ«نعم». يستند في جوابه إلى الفقه السلفي الجهادي الذي ينطلق من قاعدة أن «الطاغوت يجب معاداته وتكفيره وقتاله». ووصف الطاغوت ينسحب على رئيس الدولة وجيشه وقوى أمنه ومفتيه وسفرائه والموظفين في سفاراته ووزارة الدفاع لديه للقول بحرمة الالتحاق بها لأنه مُخرجٌ من الملّة». وانطلاقاً من هنا، يجيز السلفيون الجهاديون «ضرب السفارات». أما التساؤل عن ذنب الضحايا المدنيين الذين يسقطون في هذه العمليات، فيرد القيادي المذكور بأنّ «من نفّذ العملية يؤمن وفقاً للفكر الجهادي بالتمييز بين من قُتل تبعاً للسفارة ومن قُتل عمداً في هجوم السفارة. فالأول، أي الذي سقط خطأً من المدنيين أو الموظفين الملحقين بالسفارة، يُبعث يوم القيامة تبعاً لنيّته. فإن كانوا مسلمين، يُعتبرون شُهداء، وإلّا ينسحب عليهم مصير أتباع الطاغوت». ولـ«الجهاديين» دليلهم في ذلك، إذ يستعيدون «واقعة بني النضير يوم غدر اليهود بالنبي، فقال لأصحابه بيّتوا عليهم ثم ارموهم بالمنجنيق. فقالوا يا رسول الله بينهم نساء وأطفال، فقال لهم: هم منهم»، علماً بأن النبي سبق أن قال في موضع آخر: لا تقتلوا امرأة ولا طفلاً، باعتبار أنّ الأصل عدم التعرّض للشيوخ والنساء والأطفال، لكن إذا قُتلوا خطأً يُبعثون على نياتهم». وبالنسبة إلى حاملي الفكر الجهادي، «من والى بشار الاسد في قتال المسلمين فهو مرتد يجب قتله»، لأن العلم الشرعي يقول إنّ «الكُفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله. وهو رُكن التوحيد الأعظم الأول». وتعريف الطاغوت هو كلُ معبود أو متبوع أو مطاع من دون الله. وقد يكون قانوناً أو صنماً أو رئيساً، علماً بأن الإيمان بالنسبة إلى الفكر السلفي الجهادي هو «قول وعمل واعتقاد قلبي. إذا سقط رُكن منه، سقط كُلّه».
تجدر الاشارة الى أن كتائب عبدالله عزام لم تتبن العملية بعد. وبحسب قيادي في تنظيم القاعدة، تعليقا على ما نسب الى الشيخ زريقات، قال: «لا يستطيع قول شيخ او شخص الفصل في هذه المسألة ولا يدل على ان الكتائب قد تبنّت العملية، ان لم يصدر عن التنظيم بيان رسمي».


يمكنكم متابعة رضوان مرتضى عبر تويتر | @radwanmortada