تسير الحياة في المخيمات الفلسطينية ببطء. على باب مخيم شاتيلا، تستقبلك صورة كبيرة لماهر سكر أحد قتلى جبهة النصرة في مدينة القصير. لكن أهل المخيم لا يبدون مهتمين بالقصير وبما يجري في سوريا. أول من أمس، تابعوا أحداث صيدا بتفاصيلها. لكن ما يجري فيها لا يعنيهم بشيء أيضاً. حتى قصف منطقة التعمير في عين الحلوة لا يهتمون لأمره. فهم يعرفون طبيعة مخيم عين الحلوة، ويعرفون أن منطقة التعمير هي منطقة لبنانية محاذية للمخيم، تسكنها أغلبية لبنانية مع بعض الفلسطينيين. في تلك المنطقة، يتمركز عناصر جند الشام التابعون لشقيق فضل شاكر أبو عبد الشمندور، وضربهم بالنسبة إلى فتحاويي شاتيلا «واجب»، بسبب الدم المراق بين الطرفين.
بالقرب من جامع شاتيلا، يجلس بعض شباب المخيم. نظرهم مثبت على التلفاز، ينفثون دخان سجائرهم ويرتشفون قهوتهم بصمت. يتابعون الأخبار الواردة. بعضهم لم ينم الليل وهو يتابع ما يجري في منطقة التعمير. ابراهيم محمود اتصل بأقاربه في عين الحلوة. أخبروه أن القصف بعيد عنهم، لكن «أصوات القذائف ما نيّمتهم الليل»، يقول. يشرح الشاب أن ما جرى في عين الحلوة هو اشتباك بين عناصر فتح وجند الشام من جهة، وجند الشام والجيش من جهة أخرى. لا يهتم لما يجري في صيدا: «الموضوع لبناني ـــ لبناني، رأينا ما جرى في مخيم نهر البارد، حينها لم يهتم أحد لأمرنا، لذلك لا يجب علينا أن نتدخل في ما لا يعنينا».
يوافق الحاضرون على ما قاله محمود. لكن يأسف هؤلاء الشباب لما تتداوله بعض وسائل الإعلام عن مشاركة أبناء شاتيلا في عمليات الانتشار المسلح التي تجري في محيط المدينة الرياضية. يقول أحد المسؤولين العسكريين في اللجنة الأمنية في شاتيلا إن «المسلحين الذين يقطعون الطرق أمام المدينة الرياضية هم لبنانيون من سكان الحي الغربي وهي منطقة لبنانية لا علاقة لها بالمخيم». يشرح أن «الوضع الأمني في لبنان حتّم علينا كفصائل فلسطينية الاجتماع من أجل تشكيل قوى عسكرية موحدة من أجل حفظ أمن المخيم». يضيف: «خلال الاشتباكات الأخيرة في محيط المخيم بين حركة أمل وجماعة الأسير، أغلقنا مداخل شاتيلا ووضعنا مسلحين عليها، مانعين دخول أو خروج أحد من المخيم، وقد حاولت إحدى المجموعات الدخول الى المخيم بهدف إطلاق النار منه، لكننا منعناهم». التخوف الفلسطيني من جر المخيمات الى معركة لا يريدونها أجبر الفصائل على الاجتماع ونبذ خلافاتهم لتمرير الأزمة التي يمر بها لبنان. تغوص أكثر في أزقة شاتيلا. يجلس شاب أمام محله. يدخن أرجيلته، أمامه التلفزيون وفوقه قفص فيه عصفوران. يفضل الرجل الاستماع الى صوت عصفوريه عن صوت مراسلي القنوات التلفزيونية. «أفضّل قراءة الخبر العاجل عن سماع أصواتهم»، يقول وهو يضحك. يضيف ساخراً: «همّي الآن أن تبيض العصفورة، وهذا بالنسبة إليّ أهم مما يجري». السبب وراء قلة الاهتمام هذه سببها أن أقارب الشاب كانوا قد هجّروا من نهر البارد مسبقاً و«لا نريد تكرار ذلك مجدداً».
كما في شاتيلا، كذلك في مخيم برج البراجنة، الشوارع هادئة، رغم ارتفاع أصوات التلفزيونات. بالقرب من مستشفى حيفا، تجلس إحدى المسنّات في المخيم أمام باب منزلها. تتأمل وجوه المارة. النسوة في سوق الخضر لا يعنيهنّ ما يجري في صيدا. عند سؤال إحداهن عن رأيها بما يجري، تجيب: «الله يهدّي البال». أما أصحاب الرؤوس الحامية من شباب المخيم، فهؤلاء في دنيا أخرى، غير دنيا الشيخ الأسير. فهم ليسوا ملتزمين دينياً ولا يعنيهم ما يجري في صيدا، الأهم بالنسبة إليهم هو «إيجاد شغل»، كما يقول توفيق الكايد. الشاب الثلاثيني غير مهتم بالأسير وأعوانه. ببساطة «الجيش اللبناني بينعلقش معو». هذه النظرية ليست من باب الإعجاب بالجيش، بل لأن «التجارب أثبتت ذلك». من جهته، يقول أحد المسؤولين الأمنيين في مخيم البرج إنه جرى تفعيل اللجان الأمنية في المخيم بعد الأحداث التي شهدها لبنان أخيراً. إذ شاركت فصائل منظمة التحرير وتحالف القوى الفلسطينية في إمداد هذه اللجان بالعديد والسلاح.
زائر مخيمي البرج وشاتيلا يخرج باستنتاج يفيد بأن أهل المخيمين يفضّلون «النأي بالنفس»، وحتى أمس، استطاعوا الى ذلك سبيلا.