غابت النقاشات السياسية في الجلسات المغلقة والعلنية في مدينة زحلة ومحيطها، وحلّت مكانها الهواجس من الخطر الذي بدأ يطل برأسه من الحدود الشرقيّة. الصور التي تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، والتي تظهر وحشيّة الجماعات التكفيرية من ذبح وقطع للرؤوس، فعلت فعلها عند البعض الذين تسلل الخوف إلى نفوسهم، مقابل غالبيّة عقدت العزم على مواجهة الأخطار بشتى الوسائل المتاحة، بما فيها حمل السلاح للدفاع عن الأرواح والأعراض والممتلكات .
«لا يمكن في ظل قطع الرؤوس أن ندفن رؤوسنا في الرمال. الخطر أصبح واقعاً وداهماً، ومن غير المقبول تجاهله»، يقول رئيس إقليم زحلة في حزب الكتائب رولان خزاقة. ويضيف: «المطلوب توحيد الكلمة والموقف بعيداً عن التباينات والخلافات السياسيّة»، كاشفاً عن رغبة لدى نسبة كبيرة من الحزبيين والمناصرين في امتلاك الأسلحة، خصوصاً بين أبناء القرى المحاذية للحدود الشرقية، محذراً من عدم قدرة الحزب على ضبط محازبيه ومناصريه في حال وصول الأمور إلى حدّ تهديد المصير والوجود «رغم أننا لا نملك السلاح، ونرفض رفضاً قاطعاً فكرة التسلّح والأمن الذاتي».
يلفت خزاقة إلى نقاشات تدور مع «الحلفاء»، وخصوصاً تيار المستقبل في البقاع. «يبدي حلفاؤنا تفهماً لما نقوم به من خطوات على هذا الصعيد، وقد أبدوا استعدادهم للتعاون. لكن بعض ما نسمعه منهم لا يطمئن لناحية عدم قدرتهم على فعل شيء في حال انفلات الأمور من أيديهم، وإن كنا في جميع الأحوال نعلق آمالاً كبيرة على وعي الطائفة السنيّة ووطنيتها». وعن العلاقة بقوى 8 آذار في البقاع، وتحديداً حزب الله، يوضح خزاقة أن التواصل مع الأخير هو على مستوى القيادة، «لكننا تركنا لمحازبينا ومناصرينا في القرى حرية التواصل مع كل القوى والأحزاب، لما فيه مصلحة قراهم على كل الصعد، بما فيها التعاون أمنياً إذا اقتضت الضرورة». وعمّا يتردد من تنظيم حراسات ليلية في أحياء زحلة، يوضح: «لا يمكن وصف ما نقوم به بالخطوات المنظمة. كل ما في الأمر هو تفتيح العيون لا أكثر ولا أقل من خلال مراقبة أي تحركات مشبوهة وإبلاغ الأجهزة الأمنية بذلك»، متسائلاً: «هل المطلوب النوم على حرير في انتظار حصول الأسوأ؟ لن نكون في موقع المتفرج في حال تعرُّض مصير وجودنا للخطر».
ترك للكتائبيون
في القرى حرية العمل
مع بقية الأحزاب حيث
تقتضي الضرورة


«دقّ الخطر عالبواب...»، مطلع لأغنية حماسيّة خاصة بـ«المقاومة اللبنانيّة»، يستحضرها منسق منطقة زحلة في القوات اللبنانيّة ميشال تنوري، لتوصيف الوضع الراهن. يقرّ بأن وجهات النظر «متباينة بين رؤية القيادة وما يتلمّسه المناصرون والجمهور على أرض الواقع». ويعزو التباين إلى أن «المعطيات لدى القيادة تكون أشمل، في وقت يشعر فيه الناس بخوف حقيقي يهدد مصيرهم، ولا سيما بعد تناقل وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومشاهد مرعبة لعمليات ذبح وحشيّة تنفذها الجماعات التكفيريّة». ويقول: «لا أفشي سراً بالقول إن مناصرينا يطالبوننا بتسليحهم» موضحاً أن قيادة القوات ترفض فكرة التسلّح والأمن الذاتي، «ونعوّل على الأجهزة الأمنيّة، ونحن على استعداد لمساعدتها إذا اقتضى الأمر». لكن «ساعة الجدّ سنكون رأس الحربة في الدفاع عن أرواحنا وممتلكاتنا وأعراضنا، ولن نسمح باقتلاعنا من مناطقنا مهما تكن التضحيات». يذكّر تنوري بمواقف «الحكيم» لجهة اعتبار «داعش» حالة عابرة ستزول، محذّراً مناصري القوات في القرى من تسلّم السلاح من أي طرف، «حتى ولو حصل هجوم أو اعتداء عليهم، لأن لذلك تداعيات لاحقة. ولن نكون طرفاً في حال حصول أية نزاعات مذهبيّة». ويؤكّد قائلاً: «إننا لم نوزّع السلاح على أحد، ولكننا نوصي من يضطر إلى ذلك بأن يشتري السلاح من حسابه الخاص»، نافياً ما يتردد عن تعاون أمني بين محازبي القوات والأحزاب النافذة في عدد من قرى البقاع الشمالي، فـ«التواصل بيننا يقتصر على المناسبات الاجتماعيّة. هذه شائعات هدفها خلط الأوراق بيننا وبين حلفائنا في تيار المستقبل». أما في ما يتعلق بالعلاقة مع التيار الوطني الحرّ وتيار المردة في البقاع، فيلفت تنوري إلى أن «الظروف الراهنة تتطلب وضع الخلافات جانباً، والعمل معاً لتخطي هذه المرحلة الحساسة. قبل أيام جمعنا لقاء معهم برعاية أساقفة المدينة، وجرى تبادل للآراء في ما يمكن فعله لمواجهة الأخطار المحدقة وطمأنة الناس».
بدوره، يشدد منسق هيئة قضاء زحلة في التيار الوطني الحرّ قزحيا الزوقي، على ضرورة «التضامن والتكاتف والوقوف صفاً واحداً خلف القوى الأمنية والعسكريّة، في ظل الهجمة التكفيريّة التي تهدد الكيان اللبناني برمته»، محذراً من الوقوع في فخ الأمن الذاتي «الذي أثبتت التجارب السابقة عدم صوابيته. لكن لا يمكن، في الوقت نفسه، النأي بالنفس عما يجري حولنا. وجل ما يمكن القيام به هو مساعدة الدولة على القيام بواجبها من خلال مراقبة أية تحركات مشبوهة وإبلاغ اللأجهزة الأمنية عنها، وبالأخص التنبه إلى خطورة الجماعات المسلحة المندسّة في أمكنة تجمعات النازحين». وكشف عن نقاشات تدور بين قيادة التيار وجمهوره الذي يطرح أسئلة عن حماية أمنه الذاتي، «ورغم رفض التيار فكرة التسلّح، يطالب بعض جمهورنا بتزويده بالسلاح»، موضحاً أنه إذا وصلت الأمور إلى منحى خطير، «نحبّذ أن يكون التسلّح منظماً تحت إشراف القوى الأمنية والجيش اللبناني. أما إذا فلتت الأمور من عقالها، فإننا، بطبيعة الحال، لن نقف مكتوفي الأيدي وسنواجه أي خطر يهدد وجودنا ومناطقنا». لا ينفي الزوقي وجود حالة قلق لدى الناس، وخصوصاً في المناطق المسيحيّة، «لكن هذا لا يعني أن معنويات الشباب ليست عالية، لأنهم على استعداد تام لمواجهة الأخطار والدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم».
وفي السياق، يؤكد كل من تنوري والزوقي أن مختلف الفئات العمريّة تبدي استعدادها لحمل السلاح ومواجهة الأخطار، خصوصاً ممن تراوح أعمارهم بين 40 و50 عاماً، والذين خبروا فنون القتال وخاضوا المعارك خلال الحرب الأهليّة، فيما يلفت خزاقة إلى أن الأكثر حماسة في هذا الإطار، هم فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة.