يندر وجود سلطة بوقاحة السلطة اللبنانية وقلة أخلاقها. حتى الأنظمة التي ترتكب جرائم بحق شعوبها، تبذل القليل من الجهد لتبرير ما تقوم به. لكن في لبنان، وصلت وقاحة السلطة أمس إلى حدّ عقد جلسة لمجلس الوزراء، لم تُناقَش فيها قضية بخطورة استمرار أخذ نحو 25 عسكرياً ودركياً رهينة، ومعهم أمن البلاد.
لم تحرّك السلطة السياسية ساكناً إزاء استمرار احتلال جزء من أراضي لبنان، من قبل مجموعات إرهابية لا تضمر نيتها الهجوم على بلدات لبنانية وارتكاب مجازر فيها وتهجير أهلها، بحسب ما هو ثابت في تحقيقات الأجهزة الأمنية، وعلى حد قول الشائعات التي يبثّها أنصار المعارضة السورية (يزعم هؤلاء أن جبهة النصرة وتنظيم «داعش» وحلفاءهما سيشنّون هجوماً من جرود بلدة عسال الورد ومن محيط مدينة الزبداني السوريتين، باتجاه بلدتين لبنانيتين).
يزداد التوتر في الشمال والبقاع الشمالي، بسبب إهمال السلطة لقضية المخطوفين، وتركها أهاليهم ينتظرون عفو أمير تنظيم إرهابي أو «غضبه»، ليحدد مصير أبنائهم. يوم أمس كان يوم غضب خرج إلى العلن جزئياً على شكل ظهور مسلح في بعض بلدات البقاع الشمالي. أبناء عائلات بعض المخطوفين، في البقاع والشمال، يهددون اللاجئين السوريين. بعضهم الآخر يضع الملف كله «في رقبة بعض أهالي عرسال»، ويهدد بالانتقام. أمن البلاد يترنح فوق صفيح ساخن، فيما السلطة منهمكة بدراسة وضع المالية العامة. لا ضير في ذلك، لكن متى يحين وقت معالجة ملف بخطورة اختطاف عسكريين وأمنيين والتهديد بقتلهم، واحتلال جزء من أراضي الوطن؟ رئيس الحكومة تمام سلام أرجأ أمس البحث في هذه القضية حتى جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل. يملك رئيس الحكومة ترف تأجيل البحث في ملف متفجر بهذا القدر من الخطورة، فيما القتلة يشحذون سكاكينهم لغرسها في أعناق أبناء الدولة الرهائن.
لماذا هذه الاستقالة من القيام بالحد الأدنى من الواجب؟ يجيب مصدر أمني بارز بسؤال: هل هو العجز؟ قبل أن يجيب نفسه: «ربما هو كذلك».
هذا العجز الذي فرضته السلطة على نفسها لا يجلب لها إلا العار، ولأبنائها الموت بأكثر طرق القتل وحشية. يوم أمس، أعلن رسمياً عن أول ضحية لجريمة ذبح «داعشية» في لبنان. الرقيب علي السيد هو صاحب الجثة التي سلمها إرهابيّو جرود عرسال إلى الجيش عبر وسطاء أول من أمس. من سيتحمل مسؤولية الرأس المفصول عن جسده؟ من سيجرؤ على القول لأمه وزوجته وابنته وأبيه وإخوته: «قمنا بما يجب علينا فعله، لكن الظروف كانت قاهرة؟». هل من مسؤول يحضن تلك العائلة، ويقول لعائلات الجنود الآخرين إن في لبنان دولة قادرة على تحمّل مسؤولياتها، وعلى ردع الخاطفين، وعلى محاسبة القاتل؟ الجميع ينتظرون. دولة العار شرّعت أبواب الوطن لشتى أنواع القتلة، وأتاحت لهم التحكم في مصائر اللبنانيين وفي أعصابهم.

تدخّل «إحدى الجهات»
أرجأ جريمة ذبح جندي ثانٍ كانت «داعش» تهدد بتنفيذها
ليل أمس، مرّت ساعات الانتظار ثقيلة. تعلّقت العيون بعقارب الساعة وصفحات تنظيم «داعش» الإلكترونية. كان «جهاديو» مواقع التواصل الاجتماعي «يُبشّرون» بقرب انتهاء المهلة الممنوحة للدولة اللبنانية، قبل ذبح «داعش» جندياً ثانياً من الرهائن. القرعة المفترضة قاتلة، لكن لا أحد يدري هوية من سيختار الموت هذه المرة. كانت الترجيحات تتحدّث عن جندي بعينه، إلا أن مصادر «داعش» لم تؤكد الخبر أو تنفيه. تجاوزت الساعة منتصف الليل، لكن لم يُقتل أحد. لم تُنفّذ «داعش» تهديداتها، غير أن مصادر المسلّحين ذكرت أن «قرار الذبح اتُّخذ، لكن محاولات وقف التنفيذ أو تأجيله كانت تُبذل من إحدى الجهات»، علماً بأنهم طالبوا سابقاً بضمانة قطرية لوقف تنفيذ الجريمة. وكان المسلّحون بصدد إصدار بيان يعلنون فيه إرجاء ذبح الجندي الذي وقعت عليه القرعة إفساحاً في المجال أمام وساطة مفترضة، لكنهم قطعوا التواصل فجأة.
المفاوضات مع «جبهة النصرة» لم تكن أفضل حالاً. الرسالة وصلت إلى أميرها «أبو مالك التلّي» بأن الحكومة اللبنانية غير قادرة على إنجاز صفقة تبادل «بسب معارضة كتلتي ميشال عون وحزب الله». أما المفاوض الأبرز الشيخ مصطفى الحجيري فقد كان في ضيافة «التلّي» ليل أمس. وإلى حين عودته، لن يُعرف جديد المسار الذي ستسلكه المفاوضات على خط «النصرة».
وإلى أن يحصل حدثٌ يغيّر المشهد، لا تظهر أي بوادر إيجابية لحل القضية، إلا من الشيخ الحجيري الذي يُنسب إليه التمكن من تحرير 10 عسكريين ودركيين. السلطة باتت قريبة من طي صفحة عقد صفقة تبادل مع الخاطفين، تتضمن تحريرهم الرهائن لقاء إفراج لبنان عن عدد من الموقوفين والمحكومين الإسلاميين. حتى يوم أمس، بقي هذا التوجه يلقى معارضة سياسية واسعة، ما يحول دون تمريره في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب. ورغم ذلك، بقي تيار المستقبل متمسكاً بخيار التبادل. وكان رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة يسوّق لهذا الخيار مع النواب الذين التقاهم في المجلس أمس، تحت شعار إن كلاً من حزب الله وحركة حماس «فاوض إسرائيل لإطلاق الأسرى، فلماذا لا تفعل الدولة اللبنانية الأمر ذاته؟».




الشهيد علي السيد

أعلنت قيادة الجيش اللبناني أنه الحاقا ببيانها السابق المتعلق بتسلم الجيش جثة أحد العسكريين الرهائن في جرود عرسال، بعد إجراء الفحوصات المخبرية (DNA)، تبين أنها عائدة للرقيب الشهيد علي السيد.
وفي ما يلي نبذة عن حياة الشهيد:
ــ من مواليد 15/7/1985 فنيدق ــــ قضاء عكار، محافظة الشمال.
ــ تطوع في الجيش بتاريخ 4/9/2006.
ــــ حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته عدة مرات.
ــــ الوضع العائلي: متأهل وله ولد.