لم تكن زيارة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون لسوريا أول أحداث الأسبوع الأخير الذي يسبق موعد انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. في بال المعارضة والتيار احتمالات أخرى متتالية، في طور أن تتبلور تباعاً، حتى يحين موعد الجلسة. لكنّ السؤال الذي يسبق أي قراءة للمعارضة حول مسار التطورات الأخيرة هو: هل تنعقد جلسة الانتخاب فعلاً؟ما حصل حتى الآن أن الرئيس نبيه بري دعا إلى عقد الجلسة. وتبرير أسباب الدعوة، بعد ضغط المعارضة والتيار، لا يعني احتمال انعقادها فعلياً إذا ما أُخذت في الحسبان حقيقة قراءة موقف الثنائي لمسار تدحرج الوضع الانتخابي، منذ لحظة الإعلان عن لقاءات التيار الوطني والقوات اللبنانية إلى وساطة حزب الكتائب واللقاء مع «التغييريين» والمستقلّين، وصولاً إلى إعلان ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
وثمّة خشية يعبّر عنها داعمو أزعور من تطيير الجلسة لتفادي حتى الوصول إلى الدورة الأولى. لكن أسباب التطيير لا تزال مبهمة، وإن كانت المعارضة أقرب إلى تبني سيناريو الاضطراب الأمني الذي قد يطيح الجلسة، عدا إمكان فقدانها النصاب من الدورة الأولى. هذا التوجس يوازيه وضع خريطة احتمالات حزب الله في مقاربة الموعد المنتظر، وما يمكن أن يواجهه من حسابات خاطئة. ورغم أن المعارضة والتيار ينطلقان في مقاربة ترشيح أزعور من خلفيتين متناقضتين، ولأسباب مستقبلية مختلفة، إلا أنهما يتقاطعان حول القلق من ما قبل موعد 14 حزيران، بقدر القلق مما سيعقبه. وإذا كانت المعارضة اعتادت المواجهة السياسية مع حزب الله، إلا أن التيار الوطني يخوض اليوم أقسى خلافاته السياسية مع حليفه، بما لا يشبه مرحلة التشنج التي سبقت انتهاء عهد عون. وبقدر استشعاره قلقاً من اتجاه هذا الخلاف وانعكاسه في التيار وفي العلاقة بين مكوّنين أساسيين، يكثر من توجيه رسائل الطمأنة والتخفيف من وقع المرشح الواحد لمصلحة لائحة مرشحين، أو تأكيده مراراً العمل على اختيار مرشح بالاتفاق مع حزب الله.
الاصطفاف الطائفي الحالي يجعل كل الاستحقاقات المقبلة على المحك


تتوقف قوى المعارضة عند حجم رد الفعل على تسمية أزعور، بما لا يشبه مطلقاً الحملة ضد المرشح النائب ميشال معوض. فمنذ أن بدأ التداول باسمه، تفاعلت مؤشرات رفضه، وهو أمر طبيعي ومعتاد في حملة رئاسية تتخذ عناوين سياسية واضحة. لكن رد الفعل بعد إعلان التيار والقوات تباعاً تبنيهما لأزعور، ومن ثم إعلان معوض ترشيح المعارضة له، أخذ بعداً آخر، إذ صار «اللعب على المكشوف»، بحسب تعبير أوساط في المعارضة، ما يعني أن الأمور ذاهبة نحو طريق جديد لا تراجع عنه. من هنا كان النقاش حول احتساب الأصوات يأخذ بعداً تفصيلياً في قراءة الاحتمالات الموضوعة أمام الثنائي ومصلحته في عقد جلسة الانتخاب. أن يمتلك أزعور على الأقل 65 صوتاً، يعني أن هناك مساراً جديداً للوضع الانتخابي، يتعدى مرحلة معوض - الأوراق البيض. ففي حسابات حزب الله، يتبلور تدريجاً ما هو أبعد من مجرد تفاهم مرحلي بين أطياف المعارضة والتيار على تسمية مرشح واحد، وبما يتعدى كذلك الواقع المحلي البحت. وهذا يفترض إعادة قراءة الحسابات بدقة، وليس احتساب الأصوات فحسب. وفي زمن الكلام عن ترتيب سعودي - إيراني، وانفتاح سعودي على دمشق، وإعطاء كلام السفير السعودي وليد البخاري إشارات في اتجاه مرشح الثنائي أو الوقوف على الحياد، أطل المسار الجديد ليقدّم صورة مختلفة تماماً، وإن كانت بحاجة أن تُترجم في صندوق الاقتراع، كي يتأكد حكماً أن قرار الرياض مختلف عن القراءة التي أعطيت لكل المسار السعودي الأخير في المنطقة وانعكاسه على لبنان، من دون إغفال الرعاية الأميركية لما يجري.
وهنا تظهر أهمية الطرفين الأساسيين اللذين يفترض أن يخرجا الصراع الحالي من مذهبيته وطائفيته. فرغم تنوّع أطياف المعارضة طائفياً ومذهبياً، إلا أن الظاهر منها حالياً الإجماع المسيحي رفضاً لمرشح الثنائي الشيعي. وهذا الشكل الطائفي يُسحب تلقائياً حين تصبح كتلة التقدمي الاشتراكي والأصوات السنية عنصري توازن أساسي في الجلسة الانتخابية، لأن تداعيات هذا الصدام لن تبقى محصورة حينها في ملف الرئاسة في جلسة تنعقد أو لا تنعقد، ويُؤمّن النصاب فيها أو لا يُؤمّن. ما يطرحه رد فعل الثنائي على ترشيح أزعور، والاصطفاف المسيحي - المعارض في المقابل، يعني أن كل الاستحقاقات المقبلة صارت على المحك، من حاكمية مصرف لبنان إلى قيادة الجيش، وصولاً إلى شكل الدولة الذي لا يزال موجوداً رغم هشاشته، مع كل ما يترك من تأثيرات سلبية على الواقع الاجتماعي بين الشريحتين المعنيتين. فإذا كان ترشيح أزعور خلق هذا الانقسام الحاد داخل التيار الوطني، وجعل مرشحين موارنة يخرجون من طورهم ومن الإجماع المسيحي، سعياً إلى تطويق ترشيح ماروني منافس اقتصادياً، فهل يمكن تجاهل ردة الفعل لدى الثنائي الذي يواجه اليوم حملة يرى فيها خطراً يتعدّى في نظره كل أخطار مرحلة 2005 و2009. هذا وحده يجعل التيار والمعارضة على قلق من الأيام المقبلة.