ضمن خطّة وزارة الخارجية لِعَصرِ نفقاتِها وسط الانهيار المالي المُتسارِع، تندرجُ فِكرة تصغير ملاك البعثات الديبلوماسية كواحدةٍ من سلّة إجراءاتٍ تقشّفية اعتمدتها الوزارة. لكن ترشيد ملاكاتٍ انتفخ بعضها بالتوظيف السياسي – الطائفي بدأ يُحدِثُ «بلبلةً» في عددٍ من السفارات.فقد تركت «الخارجية» لرؤساء البعثات مهمّة تسمية الموظفين الذّين سيتمّ الاستغناء عن خدماتهم، ما أثار «مخاوف» نابعة من غياب آلية واضحة المعايير، ما قد يفتح الباب أمام مزاجية السفراء والقناصل الذين قد تتحكّم بها ميولهم السياسية أو شكل علاقتهم بموظّفين معيّنين ضمن فريق عملهم أو أي اعتبارٍ آخر غير موضوعي. وتؤّكد أوساط متابعة أن «أكثر من سفارة تشهد تشنجات وتوترات بين السفراء والموظفين». وفي هذا السياق، طفا على السطح أخيراً «الخلافِ بين سفير لبنان في موسكو شوقي بونصار وموظّفيَن اثنين من بين أربعةٍ اختار إنهاء خدماتهم»، ولكل طرفٍ روايته.
بدأ الأخذُ والرّد من تشرين الأول 2022، عندما أرسلَ الأمين العام للوزارة هاني شميطلّي تعميماً إلى سفارةِ موسكو بشأنِ تعديل حجم الملاك لجهة «التخلي عن 6 موظّفين أصل 18»، أي الثلث. وقد ردّ بو نصّار طالباً «صرف النظر عن الموضوع»، مقترحاً «خفض رواتب كافّة الموظّفين». وبعد مراسلاتٍ عدة بين بيروت وموسكو رسا الاتفاق على الاستغناء عن 4 موظّفين. وقع اختيار بونصّار على موظفةٍ روسية يبلغ راتبها 2000 دولار، وتبلغ سنّ التقاعد العام المُقبِل فـ«كان الأقرب إلى المنطق إنهاء عقدها أكثر من أي موظّف آخر»، تبرر المصادر، إضافة إلى عاملة نظافةٍ روسية بلغت سن التقاعد ولم يعيّن السفير بديلاً عنها، ويبلغ راتبها 1500 دولار.
غياب آلية واضحة المعايير يفتح الباب أمام مزاجية السفراء


إلا أن الأمور في موسكو لم تسرِ بهدوء، حين أبلغ بو نصّار الموظّفَين اللبنانيّين علي قاووق (مسؤول في حركة أمل) وجوزيف بو جودة (عضو فاعل في التيار الوطني الحر) بقرارِ إخراجِهما من الملاك بعد أكثر من 20 عاماً من الخدمة. إذ اعتبرا أن «دوافع السفير سياسية وطائفية، ولعدم رغبته بالمسِ بموظّفين مقرّبين منه» كما تنقلُ مصادر. في المقابل، تبرُزُ روايةٌ أخرى تشير إلى أن «كلاً من قاووق وبو جودة يتقاضى 3500 دولار، ويَشغلان وظيفتين يمكن للسفارة الاستغناء عنهما». إذ إن قاووق هو مسؤول التأشيرات، وبما أن الروس لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى لبنان، فلن يخلّف إلغاء وظيفته ضغطاً على العمل. أما بو جودة فمسؤول عن معاملات الطلاب، وعدد هؤلاء ليس كبيراً. وبحسب المصادر، فإن بو نصار أخذ في الاعتبار الأوضاع المادية للموظفين، إذ إن «كلاً من قاووق وبو جودة يمتلك فيلا في موسكو نتيجة أعمالٍ حرة جانبية يمارسانها منذ سنوات في روسيا». كما أخذ السفير في الاعتبار التوازنات الطائفية داخل السفارة، إذ يضم الملاك مارونيَين وشيعيَين وسنياً ودرزياً وأرثوذكسياً، فـ«اقتضت المراعاة تبعاً لتوجّه الوزارة، التخلي عن موظفٍ شيعي وآخر ماروني».
أما الوفر المُفترض تحقيقه في حال أعطت وزارة الخارجية موافقتها على النموذج الموحّد الذي ضمّنه بو نصّار أسماء الموظفين، وأرسله قبل عشرة أيام إلى بيروت، فيقدّر بحوالي 11 ألف دولار شهرياً.



اعتراض سياسي على إقفال سفارات
علمت «الأخبار» أن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب كان قد اقترح من ضمن خطة عصر النفقات التي قدّمها إلى مجلس الوزراء العام الماضي ولم تتم مناقستها بعد، تعليق العمل في ثلاث سفارات في القارة الأفريقية، من بينها سفارتا لبنان في ليبيريا وغانا، لكنّ الاقتراح لقي اعتراضاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري بسبب «العدد الكبير لأبناء الجالية اللبنانية في هذه البلدان، وغالبيتهم من المتمولين الشيعة» بحسب المصادر. وفي المقابل، أبدى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل اعتراضه على اقتراح إقفال خمس سفارات في أميركا اللاتينية (التشيلي، الأوروغواي، الإكوادور، الباراغواي وكوبا) بسبب وجود عدد ضخم من أبناء الجاليات اللبنانية التي لها وجود تاريخي في هذه البلدان.