ما حصل في المحكمة العسكريّة أمس كان خارج كل التوقّعات. كان مفترضاً أن تقفل المحكمة ملف موقوفي أحداث خلدة بإصدار الأحكام على 36 مدعى عليهم، وفق ما كانت تشير إليه كل الوقائع التي حصلت أخيراً: الأجواء الإيجابيّة التي خيّمت على المفاوضات التي ترعاها مديريّة المُخابرات بين ممثلي عشائر عرب خلدة وممثلي حزب الله، انتهاء هيئة المحكمة من استجواب المدّعى عليهم والاستماع إلى الشهود بعدما تراجع وكلاء الدّفاع عن تقديم مزيد من الطلبات كما طُلب منهم، وتحديد رئيس هيئة المحكمة الاحتياطيّة العميد روجيه حلو، في الجلسة التي عُقدت الاثنين الماضي، يوم أمس موعداً للمرافعات وإصدار الأحكام.هكذا، بدأت التحضيرات لإنهاء الملف المفتوح منذ آب 2021، وانتشر عناصر الجيش ليل أول من أمس في خلدة استباقاً لأي رد فعل من أهالي الموقوفين في حال جاءت الأحكام مُشدّدة بحق أبنائهم، وحضر المحامون صباحاً إلى قاعة المحكمة إيذاناً ببدء المرافعات، قبل أن يُشير حلو إلى «خطأ» ارتكبه قاضي التحقيق العسكري بشأن مواد الادعاء بحق الموقوف سهيل نوفل الذي تمّ الادعاء عليه بحسب المادة 587 (إحراق آلية عسكريّة)، فيما طالب حلو بتصويب الادعاء ليكون بحسب المادة 549، أي القتل القصدي، قبل أن يُعلن إرجاء الجلسة إلى 18 نيسان المقبل. بدا بذلك أنّ تطوراً ما عرقل تسوية الملف وطيّر الجلسة بقرار مسبق، إذ كان من الممكن تصويب الخطأ قبل أشهر وحتى إجراء أسئلة استطراديّة في الجلسة الختاميّة وتصويب الادعاء مباشرةً من قبل ممثل مفوض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجّار الذي طرح على القوس حلاً آخر يقضي بفصل ملف نوفل عن المدّعى عليهم الآخرين، إلا أن حلو رفض الأمر.
ما يؤكّد وجود «قطبة مخفيّة أدت إلى تطيير الجلسة»، بحسب أحد المحامين في لجنة الدفاع الثلاثيّة محمّد صبلوح، هو أنّ حلو «تقصّد إرجاء الجلسة أكثر من شهر خلافاً للعادة، وكان من الممكن إرجاؤها أسبوعاً واحداً». وهذا التأجيل يطرح إشكالية أُخرى، إذ إنّ حلو يُحال على التقاعد بعد نحو 10 أيّام ما يحيل الملف إلى هيئة جديدة يكون لزاماً عليها طلب الوقت للإطلاع على الملف واستجواب بعض الموقوفين والاستماع إلى عددٍ من الشهود، ما يعني استحالة صدور الأحكام قبل حزيران المقبل.
كلّ ذلك، يطرح أسئلة عن أسباب تطيير الجلسة ومعها التسوية. البعض يشير إلى تمنٍّ من حزب الله على الجيش إرجاء الجلسة لحقن الدّماء، بعدما تبلّغ مسؤولون في الحزب من عائلات بعض الضحايا عدم رضاهم عن أحكام مخفّفة على المدّعى عليهم، وأنّه في حال حصول ذلك فإن بعض العائلات ستتجه نحو الثأر من عشائر عرب خلدة لتشتعل الاشتباكات من جديد. لذلك، طلب الحزب بعض الوقت لإقناع الأهالي بالتسوية.
غير أن هذا ينفيه متابعون يشدّدون على أنّ نواب حزب الله ومعهم عشائر عرب خلدة لم يكونوا على علم بتأجيل الجلسة، وأن الجميع بات يرغب في تسريع إجراءات إنهاء الملف. وعليه، يعزو هؤلاء التأجيل إلى الخلاف بين حلو وبين مدير المخابرات العميد طوني قهوجي بعدما رفض الأول إلزامه بقرارات المفاوضات الجارية في مديرية المخابرات، وتأكيده أنّ الأحكام لن تكون بالسقف الذي تم، هناك رأي ثالث بأن سبب العرقلة يكمن في مكانٍ آخر.
التأجيل أثار غضب أهالي الموقوفين والموقوفين الذين بدأوا بالصراخ داخل قاعة المحكمة، رافضين إعادة سوقهم إلى مقرات توقيفهم، ومطالبين بإصدار الأحكام. كما وقع شجار بالأيدي بين بعض الموقوفين تخلّله قيام أحد أبناء الشيخ عمر غصن بضرب الموقوف عوض رحيمي ما دفع عناصر الجيش إلى التدخّل وحمايته بعدما أصيب في رأسه وسال الدم منه، قبل أن يقوم الجيش بسوقهم إلى التحقيق.