يكاد الموقف الذي ادلت به السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا، امام رئيس مجلس النواب نبيه برّي، يقتضب المسار الفعلي لانتخاب رئيس الجمهورية. اجابت فيما يتمشيان في البهو الواسع في عين التينة بعدما سألها هل بلادها ضد انتخاب النائب السابق سليمان فرنجيه: «لماذا نريد ان نكون ضده. وماذا اذا انتخب؟».فحوى الموقف الاميركي انه يختصر رأيي واشنطن وباريس من الاستحقاق، وسبق ان سمعهما مسؤولون حكوميون من شيا ونظيرتها الفرنسية آن غريو منفردتين مراراً: ليس لحكومتيهما مرشحون للرئاسة اللبنانية وليستا في وارد الدخول في لعبة الاسماء ومفاضلة اي منها. ما تريدانه انتخاب الرئيس فقط. ما قالتاه ايضاً بالتزامن ان الحكومتين الاميركية والفرنسية واثقتان من ان لا رئيس ينتخب للبنان سيكون معادياً لهما كي تتخذا سلفاً موقفاً سلبياً من اي من المتداولة اسماؤهم. هو السقف الاعلى المرسوم لموقفيهما في معرض دحض ما قيل ان لكل من الدول الخمس المشاركة في مؤتمر باريس، قبل انعقاده في 6 شباط ثم على الاثر، مرشح مفضل.
عندما استقبل رئيس البرلمان في 13 شباط الوفد الديبلوماسي ممثلاً الدول الخمس واطلع منهم على نتائج اجتماع باريس، لم يتردد في القول لهم: «نريد مساعدتكم على ما نتفق عليه في لبنان وليس على ما تفرضونه علينا. لن نقبل بأي اسم يُفرض من الخارج».
كان في آن يعلق على اعراب الوفد الزائر عن استعداده لكل تعاون في سبيل انتخاب رئيس جديد للبنان، وفي الوقت نفسه الرد عما يشاع في اكثر من اتجاه عن خيارات يصير الى التحضير لها في الخارج في انتظار اوان الزام الافرقاء اللبنانيين اياها.
لم يكن ذلك الموقف الوحيد المدلى به امام الوفد الديبلوماسي. حدّد برّي المواصفات الحتمية كما يبصرها في الرئيس المقبل: «اولها ان يكون قادراً على التحدث مع الافرقاء جميعاً في كل الطوائف والتواصل معهم. ثانيها ان يكون قادراً على التحدث مع حزب الله كي يجلس الجميع الى طاولة الحوار والخوض في كل الملفات. ثالثها ان يكون قادراً على التحدث مع سوريا خصوصاً في ملفين نحتاج اليهما في الحوار معها هما النزوح السوري وترسيم الحدود. رابعها تطبيقه اتفاق الطائف».
اضاف: «اعطوني اسماً يملك المواصفات هذه امشي به فوراً».
ليست تدل المواصفات هذه سوى على فرنجية الذي لا يخفي رئيس المجلس تأييده ترشيحه. ما يسمعه منه زواره اشادته بصفاته على ان في وسعه ان يكون قاسماً مشتركاً مع الافرقاء جميعاً ما يتيح التوافق عليه: صاحب تجربة سياسية طويلة، طوى صفحة عداوات الحرب وآثارها وصالح خصومه، سلّف افرقاء كثيرين في الماضي وخصوصاً قبل انتخابات 2016 وكاد ان يكون رئيساً عام 2015 قبل ان يتراجع.
عندما يرسم واقع الاستحقاق يقول برّي ان ثمة مرشحيْن اثنين فقط يدور من حولهما. كلاهما لم يعلنا ترشيحيهما، الا انهما بتفاوت مرشحا الكتل والاحزاب، هما فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. لا يخفي ان انتخاب قائد الجيش دونه آلية مضافة تحتاج الى وقت وشروط مزيدة كونه يتطلب تعديلاً دستورياً. بذلك يمسي فرنجية الوحيد صاحب الحظوظ الفضلى.
على ان مغزى ما يركز عليه برّي، اكثر من اي استحقاق رئاسي مضى، بضعة معطيات منها:
1 - ان انتخاب الرئيس المقبل شأن داخلي محض اولاً واخيراً، من ثم تنضم اليه اي مساعدة خارجية من اي جهة اتت.
2 - فقدانه الامل في حدوث اختراق جدي في الجلسات الاحدى عشرة التي دعا اليها لانتخاب الرئيس بين 29 ايلول 2022 و19 كانون الثاني 2023. بلغ به الامتعاض من مسارها ان وصفها بـ«مهزلة». لا قدرة لفريق على فرض مرشحه على الآخر، ولا احد منهما يملك كلا النصابين الملزمين للوصول الى الانتخاب: 86 حضوراً و86 او 65 انتخاباً. بذلك لم تعد ثمة جدوى من الدعوة الى جلسة ثانية عشرة او اكثر لانتخاب الرئيس ما دام الافرقاء لا يتزحزحون عن تصويتهم السابق، ولا يريدون التوافق على اي اسم، ولا التحاور كذلك في آلية التفاهم السياسي لاخراج الاستحقاق من مأزقه. تالياً يحاط انتخاب الرئيس بالاذان الصم. ذلك ما يحمل رئيس المجلس على عدم التفكير في تحديد موعد لجلسة مقبلة قبل تأكده من انها ستفضي الى المتوخى منها.
3 - مع انه لم يفصح رسمياً عن ترشحه ولا فعل الثنائي الشيعي، بات فرنجية المرشح الفعلي له، يدور الاستحقاق من حول التوصل الى انتخابه المتعذر الى الآن لافتقاره الى نصابيْ الاكثرية الموصوفة والاكثرية المطلقة.
4 - يقول برّي ان الجلسة الاخيرة لهيئة مكتب المجلس ثبّتت حق البرلمان في الاشتراع في اي جلسة يدعو اليها لا تكون مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية. ليست المرة الاولى يؤكد المجلس حقه هذا وكان جرّبه في شغور 2014 ـ 2016، الا ان جلسة الاثنين باجماع الاعضاء ممثلي الكتل الرئيسية وضعت حداً اخيراً للسجال غير المجدي من حول هذا الموضوع. يعزو تأجيله تحديد موعد لجلسة عمومية الى رغبة اللجان النيابية المشتركة في ربط اقرار قانون كابيتال كونترول بقوانين الاصلاح المالي كرزمة واحدة متكاملة.