في عقدين تحيط بهما علامات استفهام كثيرة، باع الجيش اللبناني، العام الماضي، كمية ضخمة من الأسلحة الفردية مقابل مبلغ لا يتعدّى ثلاثة ملايين دولار. بحسب مصادر عسكرية مطّلعة، فإن أسعار الأسلحة المَبيعة كانت متدنّية إلى حدّ يمكن معه وصف «البيعة» بأنها «أقرب ما تكون إلى الهبة، إذ إن الأسعار أقل من السعر الحقيقي بما يراوح بين 70% و90%»، فيما تحيط علامات استفهام كثيرة بالعقدين الرضائيين اللذيْن لم يخضعا لمزايدة أو استدراج عروض، ولم يمرّا بمجلس الوزراء (كما جرى، مثلاً، لدى بيع طائرات ميراج الفرنسية لباكستان نهاية التسعينيات) أو بالوزير المختص (وزير الدفاع) كما يقتضي قانون المحاسبة العمومية، ناهيك عن أنها من المرات النادرة التي تبيع فيها المؤسسة العسكرية سلاحاً ولو كان غير صالح للاستعمال، إذ إن الجيش يعتمد في تسليحه بشكل كامل على الهبات والمساعدات، ولا تصنيع عسكرياً لديه يمكّنه من بيع الفائض. كما أن الغموض يكتنف الأسباب التي تدفع إلى تغيير وجهة الأسلحة الصالحة للاستعمال وتوضيبها وبيعها قطعاً وجزئيات!إلى ذلك، فإن غالبية الأسلحة والذخائر المَبيعة مما يُستخدم في حروب العصابات. أحد العقدين وُقّع في 31 أيار 2021، مع تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، والثاني في أيلول الفائت، بعد اندلاع الحرب الروسية - الأطلسية في أوكرانيا، وهو ينصّ على نقل الأسلحة من مرفأ بيروت ومطارها «إما إلى إيطاليا أو الولايات المتحدة»! لذلك، تساءلت مصادر قانونية عمّا إذا كانت قيادة الجيش راعت عدم توريط لبنان في أزمة دبلوماسية مع أيّ بلد في العالم قد تنتهي الأسلحة المَبيعة في أرضه، عبر التزام اتفاقية ترخيص المستخدم النهائي (End User License Agreement) لتأكيد أن الجهة الشارية هي المُتلقي النهائي لهذه المواد، ولا تخطّط لنقلها إلى أطراف غير مرغوب فيها بالنسبة إلى المورّد الأصلي للأسلحة.
خبراء عسكريون أكّدوا لـ«الأخبار» أن غالبية هذه الأسلحة، بغضّ النظر عن تاريخ صنعها، لا تزال صالحة للاستخدام والاستفادة منها في الوحدات غير القتالية على الأقل، مثل قيادات المناطق والطبابات العسكرية المركزية والمناطقية ونوادي الضباط... كما يمكن إدخال تعديلات على بعضها ووضعها في تصرف عناصر المدرّعات وفوج النقل وغيرهم ممن تكون طبيعة مهماتهم مستقلّة عن الوحدات القتالية. ومع الافتراض، جدلاً، بأنها غير صالحة فإن هناك سلسلة إجراءات ينبغي المرور بها قبل اتخاذ قرار ببيعها أو التخلص منها، وليس واضحاً ما إذا كان تمّ الالتزام بها.

صالحة أم غير صالحة؟
يضم اللواء اللوجستي الذي يُعدّ المموّن الرئيس لمعظم عتاد الجيش قسماً يُسمّى «مصلحة التنفية» كانت مهمتها قديماً تنحصر في إتلاف العتاد غير الصالح للاستعمال، قبل أن تُستحدث فيها أقسام ومشاغل تُعنى بإعداد روزنامة سنوية لتنفية العتاد على اختلاف أنواعه (أسلحة، معدّات، آليات، أثاث مكتبي، مصادرات...) وتصنيفه إلى ثلاث فئات: أجزاء صالحة، يتمّ توضيبها وترقيمها وإعادة إدخالها في القيود، وأجزاء يمكن تأهيلها بكلفةٍ مقبولة، وأجزاء غير صالحة، تُفكّك وتُنتزع قطع الغيار الصالحة منها ثم توضع في ساحات التنفية لبيعها أو إتلافها. وقد درجت العادة أن تعلن قيادة الجيش عن مزاد للعتاد الذي تتم تنفيته.
في ما يتعلق بالعقدين اللذين بين أيدينا، من الواضح من الجداول المرفقة أن الأسلحة صالحة للاستعمال (باستثناء كمية بسيطة جداً باتت خارج الخدمة). أما إذا كان هناك قرار بانتفاء الحاجة إليها، فيفتح ذلك الباب أمام عدد من الأسئلة التي ينبغي على قيادة الجيش الإجابة عنها لإزالة الالتباسات: هل هناك تقرير مفصّل من لجنة تقنية متخصّصة للتأكد من قرار انتفاء الحاجة إلى هذا السلاح وتحديد علّته؟ هل تم درس إمكانية تفكيكه واستعماله كقطع غيار؟ هل أُعدّت جداول مفصّلة بالقطع المقترَحة تنفيتها؟ هل هناك تحديد لقيمة الأسلحة الفعلية وللحد الأدنى المرتقب من بيعها ولكلفة استبدالها بأسلحة جديدة؟ هل جرت محاولة للتواصل مع المورّد الأساسي للتفاوض في شأن استبدالها بأسلحة أحدث (upgrade)؟ هل جرت مراسلة بقية الأجهزة الأمنية (أمن داخلي، أمن عام، أمن دولة...) التي قد تكون بحاجة إلى تلك القطع أو الأسلحة؟ والسؤال الأهم: هل تأتي عملية البيع من ضمن سياسة التخلي عن استخدام السلاح الشرقي (معظم الأسلحة روسية وأوروبية شرقية) للاعتماد حصراً على التسليح الأميركي؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا يبدأ «توحيد السلاح» من الأسلحة الفردية، وليس من سلاح الدبابات، مثلاً، خصوصاً أن الجيش يعتمد في شكل رئيسي على دبابات «تي 55» الروسية التي أصابها التآكل؟

عقد مع شركة لأسلحة الصيد
تبلغ قيمة العقد الأول 341,215 دولاراً، وهو بين القوات المسلحة ممثَّلة بقائد الجيش العماد جوزف عون («البائع» كما يشير إليه العقد) ومؤسسة «براشيا للشرق الأوسط» ممثَّلة بجوزف أبي صعب («الشاري»). وقد وقّعه «عن الجنرال عون» نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن الطيار زياد هيكل في 19 أيلول 2022.
يدخل العقد المصاغ بالإنكليزية حيّز التنفيذ بعد إشعار من «البائع» بالحصول على رخصة التصدير «على نفقته». البحث عن مؤسسة «براشيا للشرق الاوسط» يظهر أنها تملك رخصاً للإتجار بأسلحة الصيد وذخائرها وبيع بارود الصيد بالمفرق واستثمار معمل لتعبئة خرطوش الصيد ومشغل لصيانة أسلحة الصيد وتجميعها و«استيراد أسلحة وذخائر ومعدّات حربية لصالح القوى المسلحة اللبنانية» من دون إشارة إلى أنها تملك رخصة لتصدير الأسلحة.
وينص العقد على أن يدفع «الشاري» 10% من قيمة العقد مقدّماً تُحوّل إلى حساب مصرفي لـ«البائع» خلال عشرة أيام من تاريخ توقيعه، فيما تُدفع الـ 90% المتبقية على أربع أو خمس دفعات مع إصدار بوليصة الشحن وأذونات التصدير لكل دفعة، على أن يُنفّذ العقد كاملاً خلال ثلاثة أشهر. ويلزم العقد «البائع» بتفكيك الأسلحة وتوضيبها كجزئيات (قطع) وفق إجراءات يحدّدها «الشاري»، ونقلها في مستوعبات بواسطة آليات عسكرية إلى مرفأ بيروت أو إلى مطار بيروت. كما أن على «البائع» أن يتولى على نفقته، كل الإجراءات الجمركية لتخليص البضائع من أجل التصدير والتسليم في المطار أو المرفأ.
عقدا بيع من دون مزايدة أو استدراج عروض ولم يمرّا بمجلس الوزراء والأسعار أدنى بما يراوح بين 70% و90%


ويتضمن ملحق العقد جدولاً بالعتاد المنويّ بيعه، وهو عبارة عن جزئيات و«عِدَد صيانة». غير أن الملحق نفسه ينص بوضوح، على أن «البضائع» هي بنادق أوتوماتيكية سيقوم جنود من اللواء اللوجستي بتفكيكها إلى قطع وتوضيبها في علب صغيرة، مقابل دولار واحد «فريش» لكل بندقية يتم تفكيكها، يدفعها «الشاري» للعسكريين. وبحسب مصادر عسكرية، فإن عملية تفكيك عتاد صالح وتجزئته وتغيير طبيعته وبيعه على أنه عتاد غير صالح «تثير الريبة»، فضلاً عن أن هذا البيع بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء، على أن تُحوّل أموال الصفقة إلى الخزينة العامة، وليس إلى «حساب مصرفي للبائع».
اللافت أن العقد يتضمّن بيع 1000 بندقية «كلاشينكوف» (AKMS 39x7,62) مع أربعة مماشط بـ 50 دولاراً فقط للبندقية الواحدة، فيما يُقدّر سعرها في السوق، بحسب خبراء أسلحة، بنحو 500 دولار. كما بيعت 2400 بندقية Zastava (بندقية صربية تشبه بندقة «عوزي» الإسرائيلية)بـ 30 دولاراً للبندقية مع أربعة مماشط (سعر السوق نحو 800 دولار)، و700 بندقية Slavia Vz 58 (كلاشينكوف» تشيكي) بـ 30 دولاراً مع أربعة مماشط، و885 بندقية Stin عيار 9 ملم بـ 20 دولاراً للواحدة مع أربعة مماشط، و1044 بندقية Berretta بسعر 20 دولاراً للواحدة مع أربعة مماشط.

... وشركة أميركية
العقد الثاني المُوقَّع في 31 أيار 2021، بلغت قيمته نحو مليونين و600 ألف دولار (2,599,310)، وهو موقّع بين القوات المسلحة ممثَّلة بقائد الجيش العماد جوزف عون وشركة «رايلي» (Riley Defense Inc) ومقرها ولاية نورث كارولاينا الأميركية ممثَّلة برئيسها رمزي خير الدين. وقد وقّعه عن «الجنرال عون» نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن الطيار زياد هيكل في 31 أيار 2021.
ملحق العقد يتضمن بنداً ينص على إرسال البنادق نصف الأتوماتيكية كأسلحة كاملة (قديمة جداً)، وعلى تفكيك الأسلحة الأوتوماتيكية وتوضيبها كجزئيات.

هل راعت اليرزة عدم توريط لبنان في أزمة دبلوماسية في حال انتهت الأسلحة المَبيعة في أوكرانيا مثلاً؟


بحسب خبراء أسلحة، تتضمن الصفقة أسعاراً متدنية بشكل لافت، إذ بيعت 7000 بندقية M16 (بعد تفكيكها) بـ 100 دولار للواحدة مع أربعة مماشط، علماً أن سعر الواحدة منها يساوي نحو 1000دولار و13861 بندقية Zastava مع أربعة مماشط لكل منها بـ 30 دولاراً (سعر السوق نحو 800 دولار)، و2300 «كلاشينكوف» هنغاري (مع أربعة مماشط لكل منها) بـ 70 دولاراً (سعر السوق 600 دولار)، و200 «كلاشينكوف» روماني بـ 50 دولاراً (سعر السوق 500 دولار)، و300 «كلاشينكوف» بولندي مع أربعة مماشط بـ 150 دولاراً (سعر السوق نحو 700 دولار)، و1500 بندقية فال مع أربعة مماشط بـ 170 دولاراً (سعر السوق نحو 900 دولار)، و1000 بندقية Sig (سويسرية) مع أربعة مماشط بـ 70 دولاراً (سعر السوق 700 دولار).
وينص العقد على أن يدفع «الشاري» 10% من قيمة العقد مقدّماً خلال عشرة أيام من تاريخ توقيعه، فيما تُدفع الـ 90% المتبقية بعد حصول «البائع» على رخصة التصدير «على نفقته»، وإصدار بوليصة الشحن وأذونات التصدير اللازمة ونقل البضائع في مستوعبات بواسطة آليات عسكرية إلى مرفأ بيروت أو إلى مطار بيروت في طريقها إلى الولايات المتحدة، على أربع أو خمس دفعات. كما أن على «البائع» أن يتولى على نفقته، كل الإجراءات الجمركية لتخليص البضائع من أجل التصدير والتسليم في المطار أو المرفأ.

جدول بالأسلحة في العقد مع «مؤسسة براشيا»

جدول بالأسلحة في العقد مع شركة «رايلي»