الخلافات داخل اتحاد جمعيات العائلات البيروتيّة مستشرية منذ الانتخابات النيابية، عندما «نبت» من تحت جناحه مرشحون كثر توزّعوا على اللوائح، في وقت كان ماجد دمشقية المرشح على لائحة خالد قباني المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة هو «المرشّح الشرعي» للاتحاد. على رغم ذلك، كانت كثرة المرشحين تفصيلاً أمام تجرؤ «أولياء أمر» الاتحاد على عصيان أمر الرئيس سعد الحريري الذي دعا إلى مقاطعة الاستحقاق، فقرّروا «الالتصاق» بالسنيورة... حدّ الانتحار السياسي.
ولم يكن ينقص هذه الخلافات لتزداد ضراوةً إلا اقتراب موعد انتخابات رئيس الاتّحاد و17 عضواً في هيئته الإداريّة. الانتخابات المقررة في 24 شباط المقبل يُشارك فيها، ترشيحاً واقتراعاً، 85 عائلة سدّدت اشتراكاتها من أصل 93 عائلة، بعد أن فُتح أمس باب الترشيحات. الجميع يضع يده في «الطبخة»، بعضهم في العلن، والغالبيّة من تحت الطاولة. الرئيس سعد الحريري، مثلاً، أرسل قبل أيّام إلى قياديي التيار ومن يعنيهم الأمر رسالة واضحة: «اتركوا العائلات تختار رئيسها ومرشّحيها». مع ذلك، لم يُفهم أن الرسالة تندرج في إطار انسحاب الحريري من الحياة السياسية، بل كسحب للغطاء عن رئيس الاتحاد الحالي محمّد عفيف يمّوت. إذ لم يسبق لأحدٍ أن نال من «بيت الوسط» ما ناله يمّوت نفسه من تجديدٍ لولاية ثانية، بقرارٍ من الحريري نفسه، قبل أن ينقلب عليه بين ليلةٍ انتخابيّة وضحاها.
إذاً، هي معركة «تخليص الحسابات» الانتخابية. هذا ما يبدو واضحاً من مجرى أحاديث المعركة التي لا يعلو فوق صوتها إلا مراجعة ما حصل في أيّار الماضي. لم يستوعب المُعارضون بعد كيف حوّل يمّوت المقر الرئيس للاتحاد إلى ماكينة انتخابيّة، وكيف قرّر أن يُحارب المرشحين الذين ينتمون إلى الاتحاد ليدعم دمشقيّة وحده، وكيف «أفتى» بتوجيه البوصلة إلى لائحة السنيورة. والأهم هو ما شكوك بعض الأعضاء المُعارضين في مصير نحو 400 ألف دولار خصصت للانتخابات النيابيّة فيما لم تتعدّ مصاريف الانتخابات الـ40 ألفاً، إضافة إلى اتهامات بإخفاء الحسابات الماليّة. لهذا السبب، وقّع 10 من أصل 18 عضواً من الهيئة الإداريّة بياناً منذ ثلاثة أشهر لسحب الثقة من يموت.
بيان سحب الثقة مات بمرور الزمن، إلا أن اعتباراته لم تسقط من أذهان المُعارضين الذين يخوضون اليوم معركة «كسر عظم» في وجه الرئيس. المعالم الأولية تشير إلى أن المعركة باتت ترتسم بين لائحة يدعمها رؤساء الاتحاد المتعاقبون، من بينهم يمّوت ومحمد خالد سنو ومحمد أمين عيتاني، ودور أقل تأثيراً لرياض الحلبي، في وجه لائحة للمعارضين يعتبرون أنفسهم أقرب إلى «حركة تصحيحيّة - إصلاحيّة» على رأسها مجموعة من المؤثرين داخل الاتحاد، من بينهم وليد كبي المستشار السابق للرئيسين رفيق وسعد الحريري، المرشّح السابق على لائحة النائب فؤاد مخزومي حسن كشلي، وآخرون... وفي الوسط، تُحاول بعض الشخصيّات الوصول إلى لائحة توافقيّة تحد من شرذمة العائلات البيروتيّة. ويعمل هؤلاء على إقناع رؤساء الاتحاد المتعاقبين بالتريّث في اختيار المرشحين، وبالجلوس إلى طاولة واحدة مع المُعارضين للاتفاق على عددٍ من الأسماء لتشكيل لائحة واحدة تفوز بالتزكية. بدأ ذلك مع اقتراح محسوبين على الوزير السابق محمّد شقير تطعيم اللائحة بـ3 مرشحين مُعارضين قبل أن يرتفع الرقم إلى تسعة، أي تقاسم اللائحة مع تسعة محسوبين على الطرف الآخر. لكن هذه الطروحات اصطدمت برفض المُعارضين بسبب وضع «تريو الاتحاد» شروطاً من بينها تحديد عدد مرشحي الحركة الاعتراضيّة وأن يكون الرئيس محسوباً عليه، علماً أن هذه الصيغ لم تُطرح بشكلٍ رسمي.
المرشحون للرئاسة
ويتردّد أنّ لائحة رؤساء الاتحاد باتت شبه جاهزة بعد الاتفاق على أسماء أعضاء الهيئة، فيما يبقى اسم المرشّح للرئاسة عالقاً. وتشير المعلومات إلى أنّ المنصب عُرض على ثلاث شخصيات: رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود الذي رفض إلا أن يكون رئيساً توافقياً لا مرشّح طرف، المدير التنفيذي لشركة MEAS محمد شاتيلا الذي كانت له أدوار كبرى في تأمين كثير من الموارد الماليّة لمصلحة الاتحاد، إلا أنه رفض متذرّعاً بأسبابٍ خاصة مرتبطة بوظيفته، والمدير العام السابق للجمارك العميد طلال عيتاني الذي يتردّد أنّه لم يحسم خياره بعد، في حين يعتقد البعض أنّه ليس مرشحاً «ربّيحا» لأنّه سيستفز الكثير من العائلات التي يعتبر ممثلوها أنّ آل عيتاني أخذوا حقهم بالتمثيل عبر محمد أمين عيتاني بين 2001 و2005 وعبر رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني «ولا يجب أن تُصادر عائلة واحدة التمثيل الذي يجب أن يكون بالمداورة بين عائلات الاتحاد».
على رغم ذلك، يؤكد متابعون أنّ مرشّح الرئاسة ليس عقبة بل سيحسمه قريباً رؤساء الاتحاد المتعاقبون بالتكافل والتضامن مع السنيورة الذي يُحكى أنّ بصماته لم تُغادر يوماً الاتحاد حتّى بعد الهزيمة المدويّة التي مني بها في الانتخابات النيابية، مشيرين إلى أنّ ثلاثي سنو - عيتاني - يمّوت لا يزال قادراً على تحريك اللعبة بسبب قدرتهم على التأثير في الداخل. وهو ما ينفيه كبي، مؤكداً أنّ الحركة الإصلاحيّة في وجه هذا الثلاثي بدأت مع عددٍ قليل من العائلات ووصلت اليوم إلى انضمام أكثر من 40 عائلة، والعمل جارٍ كي تضم قريباً نحو 60 إلى 65 عائلة. بالتالي، فإنّهم «يعرفون أن تأثيرهم خفت داخل الاتحاد، وأكبر دليل أنّهم طرحوا علينا ترشيح 9 أشخاص مقابل تسميتهم لـ9 آخرين»، مشدداً على «أننا مع الحوار بغض النظر إلى أين يُمكن أن يصل. يدنا ممدودة للجميع ولكن من دون شروطٍ مسبقة، ويُمكننا الذهاب إلى لائحة توافقية واحدة بشرط أن لا يكون هناك أي اسم من حصتنا أو حصتهم عليه شبهة فساد».
الحريري لقياديي المستقبل: اتركوا العائلات تختار ممثليها


وأكّد أنّ «حركتنا الاعتراضيّة قائمة على ميثاق شرف هي التغيير وإدخال دم جديد إلى الاتحاد، رفض الفساد، لم شمل العائلات ورفع الوصاية الداخلية والخارجية اللتين تتمثلان بالأحزاب والتيارات من الخارج ومن هيمنة رؤساء الاتحاد الحالي والسابقين على قرارات الاتحاد. والأهم أن هدفنا استرجاع دور الاتحاد الاجتماعي بأن يكون متجرّداً وعلى الحياد عكس ما حصل في الانتخابات النيابيّة، لأن الاتحاد لا ينحاز وإنّما هو لجميع العائلات البيروتيّة».
في المقابل، لا يعتبر بعض المتابعين أنّ «الحركة الإصلاحية» عفويّة، مشيرين إلى شخصيات تقف وراءها أبرزها فؤاد مخزومي وإداريون من اتحاد رجال الأعمال للدعم و التطوير «إرادة». يؤكد هؤلاء أن مخزومي يتدخّل بشكلٍ مباشر في الاستحقاق ويدعم ترشيح نائب الرئيس الحالي عبدالله شاهين للرئاسة، على رغم أن الأخير ينفي ترشّحه إلى الهيئة الإداريّة. كما يلفتون إلى أنّ كبي بات محسوباً اليوم على فريق مخزومي، وهو ما ينكره كبي، مؤكداً أن مخزومي لا يتدخّل أصلاً، وأن شقيقته التي ترأس جمعية آل مخزومي لم تعد تحضر الاجتماعات في انتظار اتفاق العائلات. ويعتبر كبي أن «تريو الرؤساء» يهدف من هذا الاتهام إلى خلق خصم للعائلات بغية إخافتها وجمعها تحت عباءته.