بدأ لبنان أمس الخطوة الأولى في مشواره النفطي بتوقيع الملحقين التعديليين لاتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج في الرقعتين 4 و9، بعد انضمام شركة «قطر للطاقة» إلى ائتلاف شركتيّ «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية. حفل التوقيع جرى في السراي الحكومي برعاية الرئيس نجيب ميقاتي وحضور سفراء قطر وفرنسا وإيطاليا، ووقّع وزير الطاقة والمياه وليد فياض عن الجانب اللبناني وكل من وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لـ «قطر للطاقة» سعد بن شريدة الكعبي والمديران التنفيذيان لـ«توتال» و«إيني» باتريك بويانيه وكلاوديو ديسكالزي.سبق ذلك التوقيع على مجسم رمزي للرقعتين الاستكشافيتين 4 و9 في وزارة الطاقة. وبذلك، التزمت الشركات القيام بأعمال التنقيب خاصة في البلوك رقم 9 الذي يقع في القطاع الجنوبي من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة. فيما قال بويانيه إن «توتال» «ساهمت في الوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل والذي حصل بدعم من الإدارتين الأميركية والفرنسية ومن دول عدة»، مشيراً إلى أن شركته وشركاءها «مصممون على حفر بئر استكشافية في الرقعة 9 في أقرب وقت ممكن من العام 2023 ويتم تجهيز فرقنا بالكامل لتنفيذ هذه العمليات».
وبينما أعلن بويانيه بدء الحفر في الربع الثالث من عام 2023. علمت «الأخبار» أن «توتال» تمكنت من تأمين حفارة، الأمر الذي يؤكد جدّية التزام الشركات هذه المرة، إلا أن موعد استقدامها لم يحدد بعد في انتظار الانتهاء من كل التحضيرات اللوجستية، لأن كلفتها تقدر بملايين الدولارات، وتوقفها ليوم واحد عن العمل يكبّد الشركة خسائر كبيرة، ولكن على أن لا تتعدى هذه المدة آخر أيلول بحسب المدير التنفيذي للشركة الفرنسية. علماً أن الجانب القطري يمارس ضغوطاً للبدء بأعمال الحفر قبل هذا التاريخ.
ونفى بويانيه أن تؤثر الضغوطات السياسية على هذه الأعمال، مؤكداً أن الشركات «ملتزمة بنسبة 100% وهو السبب الرئيسي في قدومها اليوم».
وستبلغ كلفة استكشاف البئر بما فيها التراخيص والمسوحات والمعدات، وفق المعلومات، نحو 100 مليون دولار. أما نقطة التحول بالنسبة إلى لبنان فستكون في أواخر العام الجاري عقب صدور نتائج الحفر. ففي حال تحقيق اكتشاف تجاري مثبت يرتفع مستوى التصنيف الائتماني للبنان ويتزايد اهتمام الشركات المنقبة في الاستثمار في بلوكات إضافية.
وتظهر دراسة الاحتمالات الأولية، بحسب مصادر مطلعة، أن البلوك 9 يحتوي على 3 حقول. ومن المرجح أن تكون الطبيعة الجيولوجية للحقول اللبنانية مشابهة لحقلي «كاريش- 1» و«تمار» في المياه الفلسطينية المحتلة. ووفق الخلاصة الأولية، بحسب مصادر وزارة الطاقة، يقدّر أن يحتوي الحقل الأول الذي سمي «قانا» على 1.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز، والحقل الثاني الذي يحمل اسم «صيدا الشرقي» 1.2 تريليون قدم مكعبة، و0.3 تريليون قدم مكعبة لحقل «صيدا الغربي»، أي بإجمالي 3.2 تريليون قدم مكعبة من الغاز في الحقول الثلاثة. وهنا ثمة احتمالان: إما إيجاد غاز والمبادرة بحفر بئر ثانية أو إيقاف العمل نتيجة عدم وجود غاز وانسحاب الشركات المنقبة.
من جهة أخرى، تشرح الدراسة المراحل التي ستنجز فيها الأعمال وأولها إكمال وتطوير دراسة الاحتمالات وتحديد موقع الحفر بعد تعيير النموذج وفقاً للعينات المستخلصة من حفر البئر رقم 4، على أن تختتم في نهاية آذار. بموازاتها يتم استكمال الدراسات البيئية والصحية والمسوحات والتراخيص وإصدار التقرير البيئي النهائي لمناقشته علانية، فيما تمتد هندسة البئر وتفاصيله التشغيلية من شباط لغاية نهاية الصيف، شأنه شأن شراء المعدات المطلوبة. عند الانتهاء من هذه الشروط، يجري تحديد تاريخ استقدام الحفارة لتبدأ بالحفر بما لا يتعدى نهاية أيلول. أما الخدمات الأساسية فستجرى في مرفأ بيروت، في المكان نفسه الذي تمّ اعتماده عند العمل في البلوك رقم 4. غير أن الحوض بحاجة إلى أعمال تأهيل كما تذكر الدراسة بسبب تضرره جراء انفجار 4 آب. في حين أن مرفأ ليماسول في قبرص سيُستخدم كمرفأ ثانوي في حال عدم توافر الخدمات في لبنان. بذلك تكون المسافة من مرفأ بيروت إلى مكان الحفر نحو ساعة، بينما من ليماسول نحو ساعة ونصف. وتعتزم «توتال» زيادة عدد موظفيها في لبنان قريباً إلى 20 موظفاً.
كلفة الاستكشاف 100 مليون دولار والبدء في الحفر لن يتأخر عن أيلول


الترجمة العملية لهذا الاتفاق النفطي ستظهر أولى تجلياتها وفق مصادر مطلعة بتأمين «الاستقرار على الحدود الجنوبية تبعاً للتطورات النفطية على جانبي الحدود مما يقود إلى الازدهار وجذب استثمارات جديدة وخلق وظائف». فالعقد الموقع كما المراسيم تفرض الاستعانة بموظفين لبنانيين بنسبة 80%، وتفرض أيضاً نسبة 10% من التعامل التفضيلي للخدمات اللبنانية و5% للبضاعة اللبنانية، ما سيؤدي إلى تشجيع وتنمية الاقتصاد اللبناني. فيما المسألة الأهم تكمن في الاستقلال النفطي الذي سيحققه لبنان من جراء استخراج الغاز عبر تحرره من عملية الابتزاز الممارسة عليه أميركياً في ملف الكهرباء، وخفض تكاليف الاستيراد بعد اكتساب القدرة على إنتاج الكهرباء على المدى البعيد؛ إذ إن هناك 4 معامل في لبنان تعمل على الغاز (دير عمار والزهراني والزوق والجية). هذه المقومات ستساهم أيضاً في رفد الصناعات ذات الطاقة المكثفة كصناعة الكرتون والسيراميك والزجاج لا سيما أن غالبية هذه المعامل أقفلت عقب الأزمة الاقتصادية.