استكملت زيارة النائب السابق سليمان فرنجية لبكركي الخميس (26 كانون الثاني) والمواقف التي ادلى بها، النتائج السلبية لاجتماع التيار الوطني الحر وحزب الله الاثنين (23 كانون الثاني). قال ما لم يقله الحزب علناً في الاسابيع الاخيرة: ما ان يترشح لا يسحب ترشيحه. لا يوصد الأبواب دون سواه، وذلك طبيعي لمَن يتمسك بترشيحه كحق دستوري كما قال، الا انه قدّم مواصفاته للترشّح مضيفاً انه موجود. ببساطة، ترشح من دون ان يترشح. ذلك طبيعي ايضاً لشخصية سمتها الاساسية أنها شفوية ومباشرة.من المألوف عندئذ ان يُفسَّر كلام فرنجية ان لا plan B عنده شأن ما كان يقوله الرئيس ميشال عون في حملته الانتخابية حتى وصوله الى قصر بعبدا عام 2016. ما جزم به نائب زغرتا سابقاً انه يعلن ترشيحه عندما يضمن أصوات الفوز.
ذلك كله يقوله كاملاً حزب الله في السرّ ويقول نصفه او أقل من نصفه في العلن. لم يُرد في استحقاق 2014 - 2016، على غرار عون، ان يكون لديه plan B مفضلاً الانتظار الى ان يلتحق الجميع به، وذلك ما حدث فعلاً. ليس معروفاً عنده، على الأقل في قراراته وخياراته وتحالفاته ومجازفاته، انه معتاد على الانتقال من خطة (ألف) الى خطة (باء). كذلك في الاستحقاق الحالي. في جانب من الحوار الذي دار الاثنين بين النائب جبران باسيل وموفدَيْ الحزب حسين خليل ووفيق صفا ما يعكس دوران انتخابات رئاسة الجمهورية، إلى اشعار آخر، في الخطة (ألف) فقط. كأن لا سواها.
يومذاك قال باسيل لهما، على ما يُنقل عن مطلعين على المداولات: «خرجت من لقائي سماحة الامين العام من دون ان ألمس انه يتمسك تماماً بسليمان فرنجية؟».
ردّ وفيق صفا: «كيف ذلك؟ أنا كنت حاضراً الجلسة. قال لك سماحة السيد انكما اثنان مرشحا الحزب. انت وسليمان. قال ان انتخابك رئيساً غير وارد الآن ولم يعد من خيار سوى سليمان فرنجية. اذا كان سماحة السيد مؤدباً فلم يفرض ولم يطلب، فذلك لا يعني انك لم تلمس انه كان مؤدباً وقال انه يريد سليمان».
في جزء آخر من الحوار الذي لم يخلُ في بعض محطاته من نبرة عالية وتأكيد تناقض المواقف، قول حسين خليل لرئيس التيار الوطني الحر: «أعطني اسماً، اسماء ترشحها؟».
أجابه باسيل انه لا يزال يضع مواصفات و«من المؤكد ان المواصفات التي أضعها ستجاريني فيها».
سأله خليل: «مَن تنطبق عليه هذه المواصفات. اعطني اسماء x او y او z نضعها قبالة سليمان فرنجيه ونختار بعد ذلك».
ليس المقتطفان هذان سوى جزء من حوار متعذّر بين الفريقين من أوله الى آخره، الى حدّ يسع اي احد الاستنتاج السهل بأن «تفاهم مار مخايل» لفظ أنفاسه أخيراً. ميت بحكم الواقع. كلا المتحاورين لم يتزحزح عن مواقفه السابقة للاجتماع، ولم يتمكن اللقاء من تذليل الحد الادنى من التناقض، فغادروا الجلسة دونما الاتفاق على اجتماع ثان يستكمل ما بدأ. فقط تفادي تخاطبهم السلبي من فوق السطوح.
صفا لباسيل: اذا كان سماحة السيد مؤدباً فلم يفرض ولم يطلب، لا يعني انه لا يريد فرنجيه


ما دار من الاثنين الى الخميس ليس سوى جزء من المأزق الذي يجبهه حزب الله بين حليفين مارونيين، لا يشكو منه شريكه في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه برّي ولا يربكه بسبب خيارَيْه المعلنين انه الى جانب فرنجيه وعلى طرف نقيض من باسيل. مكمن مشكلة الحزب توصله اخيراً، وإن يتفادى الجهر به، الى ان شراكته مع التيار الوطني الحر بلغت - او اوشكت - خواتيمها. سمع الخلاصة نفسها من باسيل في اجتماع الاثنين. اذ صارح خليل وصفا انه يشعر بفقدانه شراكة حزب الله معه في مسألتين لا يسهل بالنسبة اليه التساهل حيالهما: أولهما مشاركة الحزب في جلستين لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي غاب عنهما وزراء التيار فلم يتردد في القول لمحدّثيْه انه لم يكن يتصوّر ان يحدث ذلك، وثانيهما دعم انتخاب فرنجيه لرئاسة الجمهورية. ذهب الى القول ايضاً إن من غير الوارد عنده الخوض في مناقشة ترشيح فرنجية.
لم يعد بين الحزب والتيار سوى تقاطع سلبي واحد، هو انهما معارضان لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون. لكل منهما اسباب مختلفة عن الآخر. عند باسيل، فرنجية وعون خياران سيئان في المطلق لا يريدهما على قدم المساواة، فيما يعثر الحزب في زعيم زغرتا على الضمان الذي يفتقر اليه قائد الجيش.
في نهاية المطاف ليس ما يحصل سوى دوران في دائرة مقفلة، هي ان المرحلة مقتصرة في الوقت الحالي، الى أمد غير معروف تضاعف فيه الفصول المتتالية للانهيار، على تباري المرشحين المعروفين ليس بينهم الرئيس المفترض انتخابه. كلاهما، فرنجية وعون، خارج هذا السباق. الاول في الظرف الحالي اسم لمسمّى مختلف هو الاوراق البيض وبعض الاوراق الملغاة، والثاني لا يُنتخب الا على صفيح ساخن كسلفيه عامي 1958 و2008.