خلطَ المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، كلَّ أوراق التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بادعائه اليوم على المحقق العدلي طارق البيطار وإخلائه سبيل الموقوفين كافةًعلى ذمّة التحقيق، بعد أقلّ من ثمانٍ وأربعين ساعة فقط، من استئناف البيطار عمله من دون بتّ الدعاوى المرفوعة ضدّه منذ 13 شهراً، وادعائه على مسؤولين جُدد، أبرزهم عويدات نفسه.
وبينما امتنعت الضابطة العدلية عن تنفيذ أوامر البيطار بإخلاء سبيل خمسة موقوفين والإبقاء على الـ 12 الآخرين وتبيلغ المُدّعى عليهم الجُدد بمذكرات الادّعاء، امتثلت اليوم لأوامر عويدات وبدأت إخلاء سبيل الموقوفين، وقد كان أول المُخلى سبيلهم، مدير الجمارك بدري ضاهر.

وادّعى عويدات على البيطار بـ«التّمرد على القضاء واغتصاب السلطة»، وأصدر قرار منع سفر بحقّه. في المقابل، أعلن البيطار رفضه قرارات عويدات، واستمراره «في واجباته بالتحقيق في ملف انفجار المرفأ إلى حين صدور القرار الاتهامي».

(أ ف ب)

وقال البيطار، لـ«الوكالة الوطنية للإعلام»، إن عويدات «متنحٍّ عن الملف (لصلة قرابة تربطه بأحد المدعى عليهم)، كما أنه مُدّعى عليه ولا يُمكنه اتخاذ أي قرار في هذا الملف»، مضيفاً إن عويدات «لا يُمكنه الادّعاء على قاضٍ سبق وادّعى عليه بجريمة المرفأ لتعارض المصالح». كذلك، اعتبر البيطار أن «القرارات التي اتخذها عويدات في شأن إطلاق الموقوفين غير قانونية ويجب عدم تنفيذها».

وكان عويدات قد استند في إخلاء سبيل الموقوفين ومنعهم من السفر، وجعلهم بتصرّف المجلس العدلي، إلى اعتبار البيطار نفسه «مولَجاً بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات». ورأى عويدات أن البيطار «يكون بذلك قد استقى صلاحياته وسلطته من الهيئات القضائية جمعاء، وبما أنّ هذا الأمر ينسحب أيضاً على النيابة العامة التمييزية، فيسري على الأصل أيضاً، وبما أنّ كفّ اليد يُبقي الملف بدون قاضٍ للنّظر في طلبات إخلاء الموقوفين فيه، منذ أكثر من سنة».

أما البيطار، فاستند في استئنافه عمله إلى اعتباره أنه «لا وجود لأيّ نص قانوني يتحدث عن ردّ المُحقّق العدلي، ما يعني عدم جواز ردّه»، مُعطياً لنفسه الحق بالادّعاء «على جميع الأشخاص من دون طلب الإذن من أي إدارة أو وزارة (...) (ومن) دون إعطاء أيّ اعتبار لهوية المرتكبين، سواء كانوا من السياسيين أو العسكريين أو القضائيين».

وكان البيطار قد استأنف عمله أول من أمس، وطلب إطلاق سراح خمسة موقوفين، وادّعى على ثمانية مسؤولين جُدد، بينهم عويدات والمدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة، اللواء طوني صلبيا.

وأتت خطوته بعد 13 شهراً من كفّ يده بسبب الدعاوى المرفوعة ضدّه من قبل مُدّعى عليهم. وسبب عدم بتّ تلك الدعاوى هو عدم توفّر النّصاب في الهيئة العامة لمحكمة التمييز، الجهة المُخوّلة قانوناً بذلك، علماً أن خلافاً بين وزير المال و«مجلس القضاء الأعلى» على مرسوم تشكيلات جزئية لملء الشغور، هو ما يمنع إعادة الهيئة العامة لمحكمة التمييز إلى عملها، حتى اليوم.

وصدر أول تعليق سياسي من التيار الوطني الحر الذي طالب طويلاً بإخلاء سبيل الموقوفين، وتحديداً بدري ضاهر. إذ اعتبر رئيسه النائب جبران باسيل، عبر «تويتر»، أنه «محقُ إطلاق الموقوفين ظلماً، لكنه لا يكفي، بل يبقى الأساس، كشف حقيقة انفجار المرفأ وإحقاق العدالة وبلسمة جراح أهالي الضحايا... وكذلك كشف مرتكبي سرقة أموال اللبنانيين ومحاسبتهم. لا بُدّ للحقيقة أن تنتصر».

وبالتوازي مع ترقب ردّ فعل أهالي الضحايا على الادّعاء على البيطار وإطلاق سراح الموقوفين كافة، تتجه الأنظار إلى «العدلية» وموقف «مجلس القضاء الأعلى» ورئيسه سهيل عبود من نزاع الصلاحيات بين البيطار وعويدات، الذي يُتخوّف من تسبُّبِه بإطاحة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بعد مرور قرابة عامين ونصف عام على وقوعه.