بين بكركي، الموقع الماروني الديني الأول، ورئاسة الجمهورية، الموقع الماروني السياسي الأول، علاقة إشكالية تاريخياً، لم تخلُ، في كل العهود تقريباً، من خصومة بين صاحبَي الموقعين. لكن، عشية كل استحقاق رئاسي، لا بد لكلّ مرشح من الصرح... وإن طال السفر. ورغم أن لكل «بطرك» اسماً يميل إليه، إلا أنه في ما عدا استثناءات قليلة، نادراً ما خاض البطاركة الموارنة معارك أسماء في العلن، وإن خاضوا في المقابل معارك ضارية ضد أسماء لا يستسيغونها. وليست بكركي بشارة الراعي استثناءً لهذه القاعدة.منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وكما عشية كل استحقاق رئاسي، تحوّل الصرح محجّة للمرشحين، الطبيعيين وغير الطبيعيين. كثر من الأطراف السياسية يسعون اليوم إلى أخذ «بركة» سيده. وكثيرة هي الطروحات التي عُرضت عليه، من معظم الأطراف المسيحية، بالسير وراءه «إلى الآخر» إذا ما زكّى مرشحاً. قيل له، في هذا السياق، إن الاتفاق مع بكركي على مرشّح والتفاف المسيحيين حولها وحوله، لا شك سيحرج الآخرين، كل الآخرين، ويجعلهم ينزلون عند رغبة «أصحاب الموقع المسيحي»، ويلقي ما يشبه الحرم على كل اسم آخر يريده غيرهم، وينقل الاستحقاق من تحت عباءة السيد حسن نصر الله الى تحت عباءة الكاردينال.
إلا أن الراعي، على ما تؤكد مصادر قريبة من بكركي، يرفض أن «يزيح عن الخط» الذي سارت عليه الغالبية العظمى من أسلافه. صحيح أن لديه ميلاً إلى مرشحين معيّنين، وأن اسم الرئيس وشخصه وتاريخه ومواقفه أمور تهمّه، لكنه «لن يتورّط في لعبة كبّ الأسماء»، و«لن يكون محوراً أو متراساً تطلق النار منه على أي مرشح». فـ«بكركي ليست مطيّة لأحد، ولا تعمل لدى حزب أو مرشح، ولا ترضى بأن تفاوض عن أحد أو يفاوض عليها أحد».
تدرك بكركي أنه لن ينفع مع حزب الله لا مرشّح مواجهة ولا مرشح تحدٍّ ولا مرشح إحراج


الراعي الذي يقوم بجولة تشمل الفاتيكان والأردن وبريطانيا والولايات المتحدة يدرك جيداً، وهو ما سمعه من أطراف غربية عديدة، عدم إمكانية السير بمرشح لا يحظى بموافقة حزب الله الذي لن ينفع معه، لا مرشح مواجهة ولا مرشح تحدٍّ ولا «مرشح إحراج». وما دام الجميع، بمن فيهم الأميركيون الذين يفاوضون الحزب عبر الفرنسيين، يقرّون بذلك، وبأن التسوية النهائية ستُعقد معه، فـ«لماذا وجع القلب؟ وهل لدى أحد وهم الإتيان برئيس لا يرضي الشيعة الذين يمثل غالبيتهم العظمى حزب الله وحركة أمل؟ إذاً، يمكن اختصار الطريق بالذهاب مباشرة إلى تسوية مع الثنائي الشيعي وبقية الأطراف الفاعلة في البلد». وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أن الانفتاح الأخير لحزب الله على بكركي والارتياح البطريركي الذي لقيه «يمكن أن يؤسّسا لاختصار الوقت ويساعدا الجميع في الوصول الى التسوية المنشودة».
أكثر من ذلك، تلفت المصادر إلى «نقزة» في بكركي، إذ إن «الجميع يعرفون منذ شهور طويلة قبل نهاية العهد بأن الفراغ قادم، فلماذا حشر الصرح اليوم في الزاوية إن لم يكن ذلك لاستغلال موقعه؟».
بحسب المصادر نفسها، «خطة طريق» الكاردينال الراعي إلى إتمام الاستحقاق واضحة، وقد أطلع عليها الفاتيكان والفرنسيين وغيرهم، وهي تقوم على الآتي:
- ضرورة إتمام الاستحقاق اليوم قبل الغد عبر جلسات متتالية لا تسمح لأي صفقات خارج إطار الانتخاب. وإذا كان لا بد من تسوية، وهو ما لا بد منها، فلتحصل في مجلس النواب بين الجلسات. في رأي سيد بكركي، تتالي الجلسات سيشكل عامل ضغط على الكتل والنواب لعدم تضييع الوقت في مراضاة الخواطر على حساب البلد والاقتصاد وحياة الناس وهمومهم المعيشية.
- الجميع يعرف «البير وغطاه» ويعرفون كل مرشح بالاسم والتاريخ والانتماء، ويعرفون أيضاً أصحاب الحظوظ الأعلى من المرشحين. أما دغدغة بكركي بأسماء تستهويها من دون أن تكون لها حظوظ، فليس أكثر من إمعان في إطالة أمد الفراغ وتضييع الوقت، قبل أن نصل أخيراً إلى تسوية معروف سلفاً المكوّنات التي ينبغي أن تتفق عليها. فلماذا لا يتم اختصار الطريق؟
- لا فيتو على أحد، لا على جبران باسيل ولا على سليمان فرنجية ولا على جوزف عون أو غيرهم. ولا يمتلك أي من الأطراف أن يرفع الفيتو في وجه أي مرشح. الانتخاب يحدّد من يمتلك العدد الأكبر من الأصوات، و«يمكن لأي طرف أن يمتنع عن انتخاب مرشح لا يريده، لكنه لا يملك أن يضع فيتو عليه».