نجحت إسرائيل في إثارة خصوم وأعداء المقاومة في لبنان، عبر الترويج لما تقول إنه احتمال أن تستخدم إيران، مطار بيروت الدولي، لنقل السلاح إلى حزب الله. والرواية الإسرائيلية جاءت هذه المرة، كما مرات عدة في السابق، عن طريق قناة «العربية»، الموالية للسعودية، التي أشارت إلى قلق إسرائيل وخشيتها الكبيرين من الفرضية المشار إليها، بعد أن سيّرت شركة «معراج» الإيرانية، رحلات مدنية وتجارية من وإلى بيروت.وذكرت القناة السعودية، نقلاً عن مصادر لم تسمها، أنّ رحلات الشّركة الإيرانيّة إلى لبنان «قد تنقل أسلحة ومعدّات حسّاسة إلى حزب الله»، مشيرة إلى أن «استغلال مطار بيروت في نقل أسلحة إيرانية للبنان، سيضر الاقتصاد اللبناني».
وكما هي عادة التناغم والتخادم بين الإعلام الموالي للسعودية ومؤسسة المتحدثين باسم جيش العدو، أعادت وسائل الإعلام العبرية تلقف ما كانت المصادر الإسرائيلية قد نقلته إلى «العربية» لتعيد إنتاج التقرير مع إضافات، ومن بينها الإيحاء بإمكان أن تكون فرضية شن هجمات إسرائيلية موجودة على طاولة القرار في تل أبيب.
بالطبع، ليست هذه هي المرة الأولى التي تتحدّث فيها تل أبيب عن مطار بيروت الدولي، وعن إمكان أن يجري استخدامه لنقل أسلحة من إيران إلى حزب الله، تماماً كما كان عليه حديث تل أبيب عن مرفأ بيروت، قبل أن الانفجار المدمر في الرابع من آب 2020، الأمر الذي يدفع إلى مروحة من التقديرات ربطاً بالادعاء الإسرائيلي الجديد.
وكما كان متوقعاً، كان يكفي خصوم وأعداء المقاومة في لبنان، تقريرٌ إعلامي معاد إنتاجه على خلفية اتفاق تسيير رحلات جوية مدنيّة لشركة طيران إيرانية إلى مطار بيروت الدولي، لإثارة التقرير والمراكمة عليه، بما يشمل مسارعة قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع في المطالبة بعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لبحث «استخدام حزب الله المطار لنقل السلاح»، فيما بادر مسؤولون لبنانيون إلى زيارة المطار ومعاينة الإجراءات والتأكيد على «الاستمرار بمكافحة التهريب على كافّة المعابر الحدوديّة بالتعاون مع كل الأجهزة الأمنية والعسكرية».
تلقّف أعداء المقاومة الخبر الإسرائيلي السعودي، بالتكامل والتضامن، من أجل التشويش على المقاومة، وهي نتيجة يصعب فصلها عن السياسة الداخلية في لبنان. إلا أن الواضح أيضاً، كمطلب إسرائيلي، هو فرض سجال حول سلاح المقاومة من بوابة مطار بيروت ورواية التهريب، على جدول الأعمال في لبنان، في مرحلة كادت فيها الأمور تتجه نحو التراخي في التضاد الداخلي، قياساً بالمراحل التي سبقت.
الواضح، كمطلب إسرائيلي، هو فرض سجال حول سلاح المقاومة من بوابة مطار بيروت ورواية التهريب، على جدول الأعمال في لبنان


وفيما تحاول «إسرائيل» تكريس الادعاء بشأن تهريب ونقل أسلحة إيرانية ووسائل تكنولوجيا متطورة عبر مطار بيروت، علمت «الأخبار» أن «رسائل دولية وصلت إلى لبنان، وتحديداً عبر الفرنسيين، للاستفسار حول تفاصيل ما وصفته بمسار التهريب ومعلومات عن شركة خطوط «ميراج» الإيرانية التي بدأت تسيّر أخيراً رحلات جوية مدنية مباشرة بين طهران وبيروت»، ما اعتبرته مصادر بارزة بأنه «نوع من التهديد المبطن».
وبرغم أن وزير الداخلية بسام المولوي أوعز إلى الجهات المعنية التدقيق بالأخبار هذه، فقد عاد مدير عام الطيران المدني في المطار فادي الحسن إلى نفي كل هذه المعلومات وقال إن «الطائرة التابعة لشركة «معراج» الإيرانية هي واحدة من ثلاث شركات إيرانية تسير رحلات نظامية إلى بيروت وفق الأصول المتبعة»، مضيفاً أنه يجب التدقيق في خلفية القول بأن «شركة معراج التي بدأت تسير رحلاتها إلى المطار في 14 تشرين الثاني الماضي تأتي بالسلاح».
لكن المسألة هي إعلامية إسرائيلية وحسب؟ منذ سنوات طويلة، تحكم المعادلات أداء العدو والمقاومة في الساحة اللبنانية، وعنوانها الامتناع عن حدث يتسبب باندلاع حرب، وهي معادلات ثبت رسوخها لدى الجانبين، الأمر الذي يجنّب لبنان خوض الحروب والمواجهات العسكرية وإن المحدودة منها. كما أن المتغيرات البينية، وما يرتبط بالجانبين، لا يوحي في هذه المرحلة أن إسرائيل تتجه، أو تهيئ الميدان، لإمكان خرق المعادلات تمهيداً لتغيير قواعد الاشتباك، وإن كان من مصلحتها تحقيق ذلك والتخطيط له. رغم الفروق بين تشخيص المصلحة وتحقيقها.
كيفما اتفق، إن كان الهدف مقتصراً على نتيجة إثارة السجال الداخلي حول سلاح المقاومة، فلن يتغيّر من الوضع الراهن شيء، وسيسجّل، لإسرائيل أولاً، وللسعودية بالتبعية ثانياً، أنهما يواكبان ما يجري في لبنان ويحاولان استغلال كل ما يحدث فيه، بهدف الإضرار بالمقاومة، كما يسجّل لهما النجاح في الإثبات أن لديهما في الساحة اللبنانية من يمكن الرهان عليه، غب الطلب، إن كان الهدف هو الإضرار، وإن بالتشويش، بالمقاومة.