كان الرهان أمس على اعتصام حاشد أمام مجلس النواب أمس، دعت إليه رابطة التعليم الثانوي، يعبّر عن غضب الأساتذة تزامناً مع إعلان وزارة التربية انطلاقة العام الدراسي. ولكن الأساتذة اختلفوا على الاعتصام وعلى الجدوى منه. حاولت الرابطة أن تحشد العدد الأكبر، وبالفعل أمنت الباصات للثانويات في بيروت وجبل لبنان ولكن عدد المعتصمين لم يتجاوز المئتين، وضاع المشاركون في بحر المطالب، إذ تواجد في الساحة إلى جانب الأساتذة، متقاعدو الجيش وأهالي ضحايا المرفأ. بالتالي، لم يشارك أكثر من أستاذين أو ثلاثة من كلّ ثانوية، ما يعيدنا دائماً إلى أزمة الثقة بين الهيئة الإدارية وبين قواعدها، وتختصرها كلمات أحد أعضاء الهيئة الإدارية بقوله: «لا قدرة للأساتذة على تمييز مصلحتهم، وهم بحاجة لوصاية».في المقابل، كان الحضور في اليوم المحدّد لانطلاق التسجيل كثيفاً في الثانويات، تميّز باجتماعات شهدت نقاشات حادة ناقشت وعود العام الماضي. «ألم يعدوكم بالملايين السبعة السنة الماضية مقابل عودتكم عن الإضراب وإطلاق العام الدراسي؟» يقولها أستاذ لزملائه بأعلى صوته، ويسألهم «أين الوعود، أين مستحقاتكم المتأخرة، كيف ستجددون الثقة بالوزارة وهي لم تدفع لكم بدل نقل عن عام بكامله؟». يلتقط أنفاسه والكل ينظر في وجهه وأوداجه المنتفخة قبل أن يشير إلى سياسة القطيع المعتمدة في وزارة التربية التي «ستدفع المتأخرات قريباً لإغراء الأساتذة بالعودة». فيما استغلّ أساتذة وجود الإداريين في مدارسهم لتقديم طلبات «إجازة بلا راتب» أو «الاستيداع» لترك الوظيفة، ما دفع مديرة ثانوية في منطقة بعبدا إلى رفع يدها عن مكتبها إلى الأعلى لتقول «هلقد صارت طلبات الإجازات بالوزارة».

بيروت والشمال
الكلام الطاغي في الاجتماعات كان رجع صدى كلام المكاتب التربوية، رفضاً للتوجيهات «من فوق»، بشكل رئيسي في بيروت والشمال. في أكثر من ثانوية لم يقبل الأساتذة أن يسمعوا حتى لزملائهم الحزبيين، الذين يحاولون إقناعهم بالعودة لـ»الحفاظ على التعليم الرسمي والمدرسة الرسمية». مشهد أساتذة ثانوية فخر الدين في بيروت كان لافتاً لناحية الإجماع العام على الموقف الرافض للعودة القسرية، وانضمّ إليهم هذه المرّة «الأساتذة الرماديين» الممتنعين سابقاً عن تسجيل مواقف كهذه. ما جرى هناك انسحب على بقية ثانويات العاصمة التي فتحت دفاترها للتوقيع على «اليوم الأول في العام الدراسي» فقط لا غير، من دون أن يعني ذلك انطلاق الأعمال التحضيرية. وفي الشمال وطرابلس كان الإقفال تاماً، ورفض المدراء التسجيل إذ اعتذروا من الأهالي عن قبول الطلبات الجديدة خلال هذه الفترة. ويسجل أنّ هناك التفافاً مشروطاً حول رابطة التعليم الثانوي في حال «شدّت ركابها»، وبقيت على موقفها الرافض للعودة إلى التعليم بالتقديمات الحالية، إذ أبلغت عبر بعض أعضاء الهيئة الإدارية أنّها «لن تقبل العودة بدوام كامل هذه السّنة، ووضعت الوزير بصورة ضرورة تقليص الدوام ليتناسب مع الراتب».

الجنوب والبقاع
وفي الجنوب تفاوت المشهد بين ثانويات أصرّ أساتذتها على الإضراب ورفض العودة، وأخرى أعلنت بشكل رسمي إطلاق العام الدراسي الحالي بوعود تأمين حاجات الأساتذة من بنزين وحصص غذائية عبر المكاتب التربوية المسماة «المجتمع المحلي أو البلديات». ففي إحدى الثانويات جرى اجتماع «على الماشي، لخمس دقائق» وضع فيه أساتذة الملاك أمام خيار من ثلاثة، إما التعليم أو الإجازة من دون راتب أو الاستقالة. أما الإضراب فممنوع، وبناءً عليه تمّ توزيع الصفوف على الأساتذة كي يبدأ التعليم مطلع شهر تشرين الأول المقبل. ما جرى ينقله الأساتذة بامتعاض شديد ويسألون «هل فعلاً أصبح هدف مهنة التعليم تعبئة البطون والوقود؟»، بالمقابل يقطعون الأمل بأيّ تحرك ليأسهم الشديد من زملائهم الذين لا يخرج اعتراضهم أبعد من «مجموعات الواتسآب».
حاولت الرابطة أن تحشد عدداً كبيراً لكن عدد المعتصمين لم يتجاوز المئتين


بقاعاً، «توقعنا الخروقات، بعد الموقف الأخير لبعض أعضاء الهيئة الإدارية من نتيجة التصويت» يفيد علي خليل الطفيلي مقرّر فرع البقاع في رابطة التعليم الثانوي. ويضيف «الرافضون للنتيجة قالوها صراحةً، سنوحي لمدرائنا بالتسجيل»، وعليها تفاوت المشهد أيضاً في هذه المنطقة بين ثانويات رفضت فتح أبوابها سوى للأساتذة وبين من أطلق الأعمال التحضيرية بشكل رسمي اليوم. «لن نقبل سوى بالعودة إلى الجمعيات العمومية لأخذ رأي الأساتذة»، ولن يتمكن اليوم أحد من فرض توجه عليهم خارج قاعدة «إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع» يختم الطفيلي.