فيما انطلقت معركة التشكيلات الحكومية المتبادلة بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، أبلغ رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف أنه يفضل حكومة وحدة وطنية من ثلاثين وزيراً، تجمع كل القوى السياسية. وفي حال رفض حزبي القوات اللبنانية والكتائب ومجموعات أخرى المشاركة، يصار إلى اختيار ستة وزراء سياسيين يمثلون التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله وحركة أمل و»التغييريين» والمستقلين أو من يعكس وجهة نظر هذه القوى، إضافة إلى 24 وزيراً متخصصاً، على قاعدة المحافظة على التوزيع الحالي سياسياً وطائفياً، أو إطلاق عملية مداورة شاملة لا تستثني أي وزارة. ويفترض أن يحمل ميقاتي، الاثنين المقبل، أجوبة على هذا المقترح إلى الرئيس عون، علماً أن المناخات السائدة تشير إلى صعوبة كبيرة في التفاهم على هذا الأمر. وقد سأل وزراء رئيس الحكومة مساء أمس عن الأجواء، خلال مشاركتهم في حفل عشاء أقامه على شرف وزراء الخارجية العرب، فسمعوا منه تعليقات ساخرة من نوع «من قال لكم أن هناك حكومة جديدة؟».
(هيثم الموسوي)

في هذه الأثناء، انشغل الجميع أمس بالرسائل التي حملتها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا إلى المسؤولين حول نتائج المحادثات التي أجراها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين مع الإسرائيليين بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وفيما أعرب الأميركيون عن رغبتهم بالتكتم على نتائج المفاوضات، سعت السفارة في بيروت إلى إشاعة أجواء إيجابية من خلال إعلاميين وسياسيين. وهو ما أشارت إليه أمس أيضاً وسائل إعلام إسرائيلية.
وقالت مصادر مطلعة على الاتصالات إن السفيرة الأميركية حملت أجوبة مقتضبة بدا واضحاً أن الهدف منها هو اختيار ما يشيع أجواء إيجابية، مثل القول بأن إسرائيل ستقابل «الإيجابية اللبنانية بالتراجع عن الخط 29 بالقبول المبدئي بالخط 23». وأضافت أن «هوكشتين تبلغ استعداداً إسرائيلياً للعودة إلى الناقورة كإطار للتفاوض مع الإبقاء على الوسيط كعامل مساعد»، لكن المشكلة بقيت عالقة بشأن ما تعتبره إسرائيل «حقاً لها في حقل قانا».
وفي هذا السياق، سعى الأميركيون إلى عدم إقفال باب الحديث عن علاجات لما سمي «بالمناطق الجوفية المشتركة» عبر الضغط على لبنان للقبول بفكرة الشراكة العملانية من خلال اتفاق يتيح لشركات عالمية القيام بأعمال التنقيب والاستخراج في المناطق المتنازع عليها والسعي إلى شكل من أشكال التطبيع من خلال إنشاء صندوق خاص لعائدات النفط والغاز، وتوزيعها لاحقاً على البلدين بعد ترك أمر التخمين والتقييم والترسيم إلى الشركات العالمية. وتسعى إسرائيل بدعم أميركي إلى جعل هذه الاتفاقات مسهلة لبدء عملية الاستخراج من حقل كاريش على قاعدة أن لبنان تخلى عن الخط 29 وبالتالي ليس له الحق بالاعتراض على أي عمل هناك.
عون يعرض حكومة ثلاثينية مع تمثيل سياسي والأجواء غير إيجابية


على أن الجانب الأميركي، والأوروبيين أيضاً، سمعوا مجدداً، عبر قنوات مختلفة، بأن المسألة لا تقف فقط عند رسم حدود، لأن الخطوة لا يمكن اعتبارها عملانية بالنسبة للبنان الذي يحتاج إلى ضمانات تتيح له الحصول على تعهدات ومباشرة الأعمال من قبل الشركات العالمية كما هي الحال مع إسرائيل. وأعادت المصادر هنا التذكير بالموقف الذي أعلنه حزب الله حيال رفض أعمال الاستخراج من قبل العدو قبل ضمان حقوق لبنان، وهو الموقف الذي كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قد شرحه بوضوح أكبر عندما قال بأنه «لا غاز من كاريش ما لم يضمن لبنان إخراج الغاز من قانا».
وقالت مصادر مطلعة على اجتماعات شيا أمس إنه «يمكن الحديث عن تقدم أولي، ولكنه ليس كاملاً». وإن السفيرة أبلغت لبنان جواباً مباشراً حول العودة إلى الناقورة بالقول»إن الجانب الإسرائيلي لا يمانع ذلك» وإن الأمر «يحتاج إلى مفاوضات إضافية وخصوصاً لناحية التوقيت والشكل وطبيعة الوفود». لكن مصادر سياسية معنية وضعت كل ما يجري في إطار المناورات وقالت «إن السلبية تحيط بالملف، لأن ما حملته شيا حول عدم إقرار العدو بملكية لبنانية كاملة لحقل قانا لا يُمكن القبول به لبنانياً»، معتبرة أن «على لبنان أن يتمسّك بحقل قانا كاملاً». وأشارت المصادر إلى أن الحركة ذات الطابع العسكري والأمني في البحر هي دليل على خطورة الموقف، بانتظار كيف سيتعامل لبنان الرسمي مع الجواب الإسرائيلي.
ومن تل أبيب، نقل موقع «والاه» عن مسؤولين «في المؤسسة الأمنية أنه قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، من المحتمل جداً أن يتوصل لبنان وإسرائيل، بوساطة واشنطن، إلى اتفاق بشأن خط الحدود البحري في غضون أسبوعين».
وأشار الموقع نفسه إلى تحذيرات «مصادر استخباراتية رفيعة في الأسبوع الأخير من أنه وسط الاضطرابات السياسية في إسرائيل والحساسية الطبيعية المحيطة بحكومة انتقالية، فإن حزب الله يمكن أن يقوم بتسخين الحدود بسبب الصراع على الحدود البحرية». وكان لافتاً للانتباه ما نشر الموقع عن أنه «في 2016 تم تسجيل حادثة غير عادية في سجلات العمليات البحرية، وبعد تحقيق معمق وفحص للبيانات والاستخبارات اتضح أن غواصين من قوة النخبة في حزب الله وصلوا في حالة واحدة على الأقل إلى منطقة الحدود البحرية وعبروا الجانب الإسرائيلي لفحص التكنولوجيا الإسرائيلية تحت الماء». وأضاف أنه «في حينه انشغل رئيس الاستخبارات العسكرية أمان (يتولى منصب نائب رئيس الأركان، اللواء هرتسي هليفي)، بنفسه بهذه المسألة ومحاولة فهم ما إن كان هذا الاحتكاك الجريء لحزب الله على طول خط الحدود يندرج ضمن جمع معلومات استخبارية دائمة أو معلومات ما قبل القيام بنشاط عملياتي».
وقال الموقع إن حزب الله «استثمر في العقد الماضي الكثير من الموارد في بناء وحدة بحرية خطيرة». وأضاف أنه «قبل بضع سنوات، وصلت معلومات حول احتمال أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد قد قرر تسليم صواريخ «ياخونت» إلى حزب الله الذي طوّر ثلاث قدرات لأجل إصابة منصة معرفة بأنها هدف ثابت كبير جداً. وضرب السفن إضافة إلى مداهمة الشواطئ الإسرائيلية». وقال الموقع إنه يوجد لدى حزب الله «العشرات من الزوارق السريعة، كما أنهم يستخدمون قوارب الصيد كتمويه لجمع المعلومات الاستخبارية. وأنه يتحكم عن بعد في روبوتات تحت الماء يمكن أن تهدد السفن ومنصات الغاز».