أواخر عام 2020، سدّدت «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد» مستحقات متراكمة لصندوق الضمان الاجتماعي عن أعوام 2003 إلى 2019، ومجموعها 580 مليون ليرة بدل اشتراكات مرض وأمومة ونهاية خدمة وتعويضات عائلية متراكمة وغرامات تأخير. «لا فساد»، وهي الفرع اللبناني لمنظمة الشفافية الدولية، أشارت في 5 أيار، خلال حفل إطلاق حملة «اللولار» إلى أن الهدف «محاولة تسجيل موقف واضح ضد الاستيلاء على أموال المودعين خصوصاً تلك المودعة بالدولار الأميركي». وطبعت أوراقاً نقدية حملت كل منها شعاراً يرمز إلى أحد القطاعات (النقل - الطاقة – المرفأ...) في دلالة إلى أن «الفساد المستشري في تلك القطاعات، هو أبرز الأسباب التي آلت بلبنان إلى أزمة اللولار».
المفارقة أن الجمعية نفسها التي نظّمت الحملة بعنوان «اللولار» لتذكير اللبنانيين بفقدان عملتهم لقيمتها وبأن حياتهم «ليست فرق عملة»، استفادت من فرق العملة لتسديد مستحقاتٍ كانت تفوق الـ300 ألف دولار في تاريخ استحقاقها وفق سعر صرف 1500 ليرة للدولار. تخلفٌ يطرح علامات استفهام حول جمعية ترفع شعار «لا فساد»، وحائزة على تصريح من هيئة الإشراف على الانتخابات لمراقبة الإنفاق الانتخابي، وهي واحدة من ثلاث جمعيات (إلى جانب كلنا إرادة ومهارات) تشكّل هيئة الإشراف على إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (RF3) لتعافي لبنان الاقتصادي الصادر عن الاتحاد الأوروبي بعد انفجار مرفأ بيروت. كما أن من ضمن مهامّها الإشراف على «عملية المساءلة» لمكافحة الفساد في لبنان في سياق جهود إعادة الإعمار والحوكمة. علماً أن ممثلها في الهيئة هو مديرها التنفيذي جوليان كورسون المقرّب من القوات اللبنانية.
حملة «اللولار» تكلّلت أمس عبر نقل صرّاف آلي من منطقة إلى أخرى، والطلب من المواطنين سحب الأوراق النقدية التي طبعتها ودفع مستحقاتهم «باللولار» من باب تسجيل موقف اعتراضي. ولا بد، هنا، من التوقف أولاً عند تاريخ النشاط الذي يسبق اليوم الانتخابي بـ48 ساعة، إذ إنه لا يخلو من محاولة للتأثير على توجهات الناخبين لما فيه من تحريضٍ على السلطة، وخرق لمبدأ الحياد الذي يجب أن تلتزم به الجمعية في فترة كهذه.
تؤكد مديرة قسم الإعلام والتواصل في الجمعية هازار عاصي أن «لا أهداف سياسية للحملة إنما تذكير اللبنانيين قبل الانتخابات بأن حياتهم ليست فرق عملة وعليهم محاسبة السلطة، لكننا لا نوجههم للاقتراع لفريق معين ضد آخر».
تخلّفت «لا فساد» عن دفع مستحقات الضمان عن أعوام 2003 إلى 2019


على غرار استحقاقَي 2009 و2018 الانتخابيّيْن، حصلت «لا فساد» هذه المرة أيضاً على تصريح من هيئة الإشراف على الانتخابات، يجيز لها مراقبة الإنفاق المالي والانتخابيّ، من 10 كانون الثاني تاريخ فتح باب الترشح للانتخابات النيابية ولغاية إقفال صناديق الاقتراع في 15 أيار. حتى الساعة لم يصدر عن الجمعية أي موقف أو تقرير أو بيان، في وقتٍ يتصدّر فيه عنوان «الإنفاق والمال الانتخابي» حفلة الاتهامات المتبادلة في المعركة المفتوحة بين أحزاب السلطة. أين الجمعية، مثلاً، من كلام رئيس الجمهورية ميشال عون عن حصوله على تقارير أمنية تثبت دفع أموال انتخابية، وتؤكّد حجم الإنفاق. وكذلك شكوى النائب جبران باسيل ضد «القوات» و«الكتائب»، على خلفية «كثرة الإعلانات لدرجة فضح ظاهرها الكلفة الحقيقية، وأكد تجاوزها سقف الإنفاق المسموح به». تبرر عاصي غياب البيانات بـ«أن الجمعية تتفادى إصدار تقرير مجتزأ. ترصد الجمعية وتسجّل المخالفات، وستُطلِق تقريرها بعد 15 أيار». بالعودة إلى عام 2018، يتبيّن أن سلوك الجمعية في المراقبة كان مختلفاً. ففي 2 آذار 2018 عقدت مؤتمراً صحافياً في «نادي الصحافة» شرحت فيه آلية عمل فريق المراقبة من تاريخ فتح باب الترشح في 5 شباط وحتى يوم الاقتراع في 6 أيار. وذكرت أن مراقبتها ستطاول النشاطات الانتخابية للمرشحين واللوائح، إضافة إلى المراقبة الميدانية للإنفاق على اللوحات الإعلانية واللافتات الانتخابية وإجراء مقابلات مع عدد من المرشحين واللوائح ومديري الحملات الانتخابية ومدقّقي الحسابات. وتحدّثت عن «550 تقريراً صحافياً حول الانتخابات النيابية رصدتها الجمعية من تاريخ فتح باب الترشح في 5 شباط»، وتبين من خلالها «ازدياد وتيرة النشاطات الحكومية وافتتاح المشاريع الإنمائية في الأسابيع الماضية»، إضافة إلى «تبادل الاتهامات السياسية عبر وسائل الإعلام حول تقديم شتى الخدمات الانتخابية». وطالبت هيئة الإشراف على الانتخابات بالتحرك لمنع استغلال السلطة في الحملات الانتخابية، واعتبار شراء الأصوات رشوة انتخابية. وأصدرت يومها مجموعة توصيات. وحتى 29 نيسان 2018 كانت الجمعية قد أطلقت تقريرين عن سير العملية الانتخابية بعد رصد الأخبار الانتخابية في وسائل الإعلام المحلية، ومن خلال مراقبة الإعلانات والهبات والمشاريع والأنشطة الانتخابية في 3 دوائر انتخابية من أصل 15 هي: دائرة الجنوب الأولى والشمال الثانية والبقاع الثانية. بمعنى آخر كانت الجمعية تضع الرأي العام وبشكل مستمر بصورة سير عملها الرقابي ونتائجه، إلى جانب التقرير الشامل بعد انقضاء يوم الاقتراع. وهو ما لم يحصل اليوم.
في أوائل 2019 تسلّم جوليان كورسون مهامّه كمدير تنفيذي في الجمعية. بالبحث عن الرجل نجد تغريدة نشرها حساب «lebanese forces students – مصلحة الطلاب» بتاريخ 19 حزيران 2016، مضمونها: «انطلاق ورشة العمل حول كيفية تشكيل قوى ضغط على قضايا اجتماعية، مع رئيس جهاز المندوبين الثقافيين الرفيق جوليان كورسون». وهو كذلك أحد الأعضاء المؤسسين في عام 2015 لجمعية «Cedar institute for economic and social affairs» إلى جانب كل من الوزير القواتي السابق غسان حاصباني والمحامي إيلي شربشي. وحاصباني وشربشي مرشحان للانتخابات النيابية في دائرة بيروت الأولى عن لائحة «بيروت، نحن لها». وهذا يقودنا إلى سؤال آخر مشروع: هل من رابط بين تغيّر سلوك الجمعية في مراقبة الإنفاق المالي والانتخابي وبين تولي كورسون القريب من القوات، صاحبة أكبر الحملات الانتخابية، اليوم لمهامه كمدير تنفيذي؟