عندما يُعاود مجلس الوزراء اجتماعاته الاثنين، للمرة الأولى منذ 12 تشرين الأول، بنصابَيه كاملَين، القانوني والسياسي، لن يسع أحد من أفرقائه أن يفرح وحده لأنه الرابح الوحيد. في ما انتهت إليه المرحلة السابقة، منذ تعطيله الى استرجاعه أنفاسه، الأطراف الثلاثة الفعليون ربحوا على قدم المساواة، لأن أياً منهم لم يقدّم أياً من التنازلات الى الفريق الآخر: رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة والثنائي الشيعي.من دون أن يخلصوا الى اتفاق يستجيب لشروط كل منهم، في آن، ولا يُشعر أحدهم بأنه انكسر للآخر، كان سيتعذّر حتماً العودة الى جلسات مجلس الوزراء. انفجرت الأزمة لأن الثنائي الشيعي طلب إطاحة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، من داخل مجلس الوزراء أو من خارجه. رفض الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي الطلب المتشدد، فشُّلّت السلطة الإجرائية طوال ثلاثة أشهر. تحت عباءة الطلب الشيعي، تجمّعت أسباب كافية كي تؤول الى كل ما حصل خلال هذا الوقت.
رافق تعطيل جلسات مجلس الوزراء، في اليوم نفسه، صدور مذكرة توقيف غيابية عن البيطار في حق النائب علي حسن خليل، أمست أولى الذرائع، قبل أن تتبعها بعد يومين في 14 تشرين الأول أحداث الطيونة. بيد أنها تحولت الى أول بنود التسوية غير المعلنة، كي يعود الجميع الى مجلس الوزراء. نجم عنها مذذاك كباش طويل بين الأفرقاء أولئك، وكل منهم كان يعتقد بأنه سيحمل الآخر على أن يقول «آخ» أولاً. سرعان ما رُبط تعطيل انعقاد مجلس النواب بتعطيل جلسات مجلس الوزراء.
في نهاية المطاف، بانَ أنهم أقوى من أن يُحمل أحدهم على أن يصرخ قبل الآخر.
لم يكن لمجلس الوزراء أن يعود الى اجتماعاته، بعد بيان الثنائي الشيعي في 15 كانون الثاني، لو لم تكرّسه سيبة رضائية بين عون وميقاتي والثنائي الشيعي على بنود ثلاثة، أتى الانهيار المتتالي المفاجئ للعملة الوطنية، طوال أربعة أيام، الى أرقام قياسية تاريخية وصلت الى 33 ألف ليرة للدولار الواحد، كي يعزّز التوقيت المناسب والعنصر الضاغط والمكسب المربح لهم جميعاً:
1 - وضع حدّ لأزمة مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة في حق خليل في 12 تشرين الأول، من خلال فتح عقد استثنائي لمجلس النواب أصدر رئيس الجمهورية مرسومه في 6 كانون الثاني، ربط الالتئام بالعقد العادي الأول للمجلس في 22 آذار. وهو آخر عقود ولاية المجلس الحالي قبل الذهاب الى الانتخابات النيابية العامة. مهما تكن المرات التي سيجتمع فيها المجلس أو لا يجتمع، لم يعدُ العقد الاستثنائي سوى مظلّة أعادت الحصانة النيابية الى خليل لمنع توقيفه، وكذلك الى النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق لمنع ملاحقتهما.
كمنت مذكرة التوقيف تلك، بعدما عمّمتها النيابة العامة التمييزية في 15 كانون الأول للتنفيذ، وصارت نافذة للتطبيق منذ الدقيقة الأولى في الأول من كانون الثاني 2022، في أنها تحوّلت الى معضلة لميقاتي قبل سواه: مَن ينفّذ مذكرة توقيف نائب شيعي عضو أساسي في كتلة الرئيس نبيه بري ومساعده الأول هو السنّي المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المؤتمر من السنّي وزير الداخلية بسام مولوي، بإيعاز من السنّي المدّعي العام التمييزي غسان عويدات. إحراج لا قِبَلَ لرئيس الحكومة على تحمّله في هذا الوقت.
بذلك أُعيد، ربما الى أمد طويل، رسم «الخط الأحمر» نفسه من حول الطوائف، وكان أول مَن رُسم له الرئيس فؤاد السنيورة، ثم دخلت دار الفتوى على هذا اللون معه، ثم مع الرئيس حسان دياب، ثم وصل «الخط الأحمر» الى بكركي لترسمه من حول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. الآن أتى يُلوَّن من حول شيعي.
لم يخلُ امتناع رئيس الجمهورية عن فتح العقد الاستثنائي من تأويلات مختلفة، أبسطها أنه ساوى تعطيلاً بتعطيل. من ثم، عندما أصدر المرسوم وضمّن العقد برنامجاً وفق ما نصت عليه المادة 33 من الدستور، على جاري ما اعتمد منذ الاستقلال (لإنعاش الذاكرة مراسيم 21 تموز 1948 للرئيس بشارة الخوري و31 كانون الأول 1959 للرئيس فؤاد شهاب و26 شباط 1966 للرئيس شارل حلو و14 تشرين الأول 1970 للرئيس سليمان فرنجية)، توسّع الجدل مجدداً حيال أن يلجأ الرئيس الى حقه الدستوري في ذلك، ويقيّد المجلس بجدول أعمال، مع أن المادة الدستورية هي المقيِّدة لشرط العقد الاستثنائي. أما ما فات حجج الاعتراض، فهو أن عون سبق أن أصدر، ووقّعه الى جانبه رئيس الحكومة سعد الحريري، في الأول من حزيران 2017، مرسوم عقد استثنائي للبرلمان لمدة 13 يوماً فقط، حصره ببند وحيد كالآتي: «يحدد برنامج هذا العقد حصراً بإقرار قانون جديد لانتخاب أعضاء مجلس النواب» ما بين 7 حزيران و20 منه. لكن أحداً لم يعترض وقتذاك.
2 ـ فقدان محكمة التمييز نصابها القانوني بإحالة أحد أعضائها القاضي روكز رزق على التقاعد في 12 كانون الثاني. ما حدث هذه المرة أنها رمية من دون رامٍ. حققت مطلب الثنائي الشيعي، دونما حمل عون وميقاتي على التدخل لدى القضاء، أو تقديم تنازل سياسي هو رأس المحقق العدلي. بفقدانها النصاب، توقف عمل البيطار تلقائياً، أضف أنه يؤول الى تجميد الدعاوى المرفوعة عليه. بذلك يدخل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في نوم عميق، قد يستغرق ربما الى ما بعد الانتخابات النيابية، إن لم يطل الى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
البند الثاني، كالأول، هو العمود الفقري في التسوية الملزمة التي تستجيب لشرط الثنائي الشيعي.
رمية من دون رامٍ تقدّمها محكمة التمييز لعودة وزراء الثنائي الشيعي


3 ـ هو البند الغامض في مرسوم العقد الاستثنائي، بإيراده العبارة التالية في برنامجه: «مشاريع أو اقتراحات قوانين ملحّة تتعلق بالانتخابات النيابية». المعلوم أن ليس ثمّة ما يفترض أن يعني مجلس النواب حيال الانتخابات النيابية العامة المقبلة، سوى الذهاب إليها فقط، بعد قانون الانتخاب 8/ 2021 النافذ حكماً منذ 3 تشرين الثاني. مجرد إيراد العبارة هذه، المضافة الى ما تضمّنه المرسوم عن مشاريع إصلاحية وخطة التعافي الاقتصادي، أنه فتح الباب واسعاً أمام إعادة مناقشة قانون الانتخاب النافذ.
بعض المعلومات تتحدث عن رفض الثنائي الشيعي بتشدّد تصويت المغتربين: في حد أدنى يقبل بالتصويت للدائرة 16 والمقاعد الستة المحدثة، وفي حد أقصى يطلب إلغاء اقتراع الانتشار كلياً. إلا أن أحداً من الكتل أو اللاعبين على هامشها، لم يجرؤ الى الآن على التلميح الى هذا الشرط.
للثنائي الشيعي أسبابه التي يعتبرها وجيهة ومنطقية ومبررة، كي يرفض اقتراع الانتشار سواء للتصويت الوطني (128 نائباً) أو للتصويت القاري (المقاعد القارية الستة). وهي تقيم في أن أنصاره وناخبيه المنتشرين في العالم، وخصوصاً في دول الخليج العربي كما في دول أوروبية، تعدّ حزب الله تنظيماً إرهابياً، ستحملهم العيون المراقبة لهم هناك على تجنب الاقتراع لتفادي معاقبتهم، ما يؤثر جدياً على نسب الأصوات المفترضة. يقترن هذا القلق بعدد من التقديرات التي ترجح أن يؤدي اقتراع المغتربين تبعاً لآلية التصويت الوطني، المعتمد في القانون النافذ، الى حصولهم على أقل من حاصل في أكثر من دائرة، ما يمكّن من منحهم أكثر من مقعد.